فيما جاءهم به (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) أي : يوم لهم ويوم للناقة ، أي مقسوم بينهم وبين الناقة ، لها شرب يوم ولهم شرب يوم ، فالعطاء يقتضي مقابلا إلا إذا شاء الله غير ذلك (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) أي محضور : يحضر القوم الشرب يوما ، وتحضر الناقة يوما ، وقال مجاهد : إذا غابت حضروا الماء ، وإذا جاءت حضروا اللبن (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) قال المفسرون هو عاقر الناقة واسمه قدار بن سالف وهو أحيمر ثمود (فَتَعاطى) أي : فأخذ بالأسباب المؤدية ، قال النسفي : أي فاجترأ على تعاطي الأمر العظيم غير مكترث ... أو فتعاطى السيف (فَعَقَرَ) أي : فعقر الناقة أي نحرها. والآية تدل على أنهم جميعا كانوا راضين بالنحر ، لأنه كان بناء على أمرهم ، أو على رضاهم (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) أي : وإنذاراتي؟ كان العذاب شديدا والإنذارات صادقة (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) في اليوم الرابع من عقرها ، كما ورد في سورة هود (فَكانُوا) كأثر عن الصيحة (كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) أي : فبادوا عن آخرهم ، لم تبق منهم باقية ، وخمدوا وهمدوا كما يهمد وييبس الزرع والنبات ، والهشيم : الشجر اليابس المتهشم المتكسر ، والمحتظر : الذي يعمل الحظيرة ، وما يحتظر بها عادة ييبس بطول الزمان ، وتطؤه البهائم ، فيتحطم ويتهشم ، فأصبح قوم صالح بالصيحة كذلك فما أشده من عذاب (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أي : فهل من متعظ يفر إلى الله خشية عقابه في الدنيا والآخرة ، فيؤمن بهذا القرآن ، ويقبل عليه حفظا وتلاوة وعملا.
كلمة في السياق :
رأينا في قصة ثمود نموذجا جديدا على تكذيب المرسلين ، ورأينا فيها نموذجا جديدا من عذاب الله ينزل بأمة ، ففي قصة نوح كان عذاب الاستئصال بواسطة الطوفان ، وفي قصة عاد كان عذاب الاستئصال بواسطة الريح ، وفي قصة ثمود كان عذاب الاستئصال بواسطة الصيحة ، وقد أرانا الله عزوجل في قصة نوح ما رافق التكذيب من رمي بالجنون ، وما رافقه من زجر لنوح ، ولم نر في قصة عاد سوى التكذيب ، ورأينا في قصة ثمود ما رافق التكذيب من مكر ، وفي ذكر التكذيب فقط في قصة عاد ما يشير إلى أن التكذيب وحده كاف لعذاب الاستئصال ، وفي ذكر شىء آخر مع التكذيب في قصتي نوح وصالح عليهماالسلام إشارة إلى أن هذا النوع من الكلام كلام دائم في تاريخ الكفر فالرمي بالجنون للداعية ، وانتهاره وزجره ، واتهام الدعاة بالبطر وطلب الزعامة