أَهْواءَهُمْ) أي : ما زين لهم الشيطان من دفع الحق بعد ظهوره قال ابن كثير : أي كذبوا بالحق إذ جاءهم ، واتبعوا ما أمرتهم به آراؤهم وأهواؤهم من جهلهم وسخاقة عقلهم (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) قال قتادة : معناه أن الخير واقع بأهل الخير ، والشر واقع بأهل الشر ، أي : في النهاية ، وقال ابن جريج : أي مستقر بأهله ، أي وكل أمر مستقر بأهله في النهاية على ما يقتضيه هذا الأمر من نهايات خيرة أو شريرة في الدنيا والآخرة ، ولا شك أن استقرار الأمور استقرارا كاملا على ما تقتضيه إنما يكون في الآخرة ، ومن ثم فسر مجاهد استقرار الأمور بأنه يوم القيامة ، فكأن لكل أمر مسرى يسير فيه حتى يستقر في نهاية مصبه ، قال النسفي : وقيل : كل أمر من أمرهم واقع مستقر ، أي سيثبت ويستقر عند ظهور العقاب والثواب (وَلَقَدْ جاءَهُمْ) أي : هؤلاء الكافرين (مِنَ الْأَنْباءِ) أي : من القرآن المودع أنباء القرون الخالية ، أو أنباء الآخرة وما وصف من عذاب الكفار (ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) أي : ما فيه ازدجار عن الكفر ، قال ابن كثير : أي ما فيه واعظ لهم عن الشرك والتمادي إلى التكذيب (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) أي : جاءتهم حكمة بالغة نهاية الصواب ، أو حكمة بالغة من الله إليهم ، وأي حكمة تبلغ ما تبلغه الحكمة الموجودة في القرآن لمن عقل وتدبر ، ولكن هؤلاء وصلوا إلى حالة من الكفر ما عادت تنفع معهم الحكمة ، ولا الآية ، ولا الإنذار ، قال تعالى : (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) قال النسفي : والنذر جمع نذير وهم الرسل أو المنذر به (أي : وهو القرآن) أو النذر ... بمعنى الإنذار. أقول : والواقع أن هؤلاء وصلوا إلى حالة لا القرآن يؤثر فيهم ، ولا موعظة الرسول تؤثر فيهم ، ولا إنذارات الله العملية تؤثر فيهم. قال ابن كثير : (يعني : أي شىء تغني النذر عمن كتب الله عليه الشقاوة ، وختم على قلبه ، فمن الذي يهديه من بعد الله؟).
كلمة في السياق :
رأينا في ما مر معنا من الآيات كيف أن ناسا من الكفار وصلوا إلى درجة من الكفر أصبحوا معها لا يستفيدون من رؤية المعجزات ، ولا يستفيدون من زجر القرآن وقصصه وحكمته ، ولا من أي إنذار آخر ، وصلة ذلك بقوله تعالى في محور السورة واضحة : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ومما مر نستطيع أن نتلمس صفات هؤلاء الذين لا ينفع معهم الإنذار ، وقد ذكرت الآيات صفتين : التكذيب ، واتباع الهوى (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) ومن ثم