١٩٥ ـ (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ...) فأجاب سبحانه عباده الداعين بما تقدم ليكون هذا برهانا واضحا على أن العباد الصالحين إذا دعوا ربهم بتلك الكلمات البينات فان استجابته تعالى لهم لا تتخلّف أبدا (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) أي لا أنساه ولا أهمله (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) رجل أو امرأة (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي متساوون في الحساب ، وقيل في نصرة الدين. وقيل : بعضكم من جنس بعض في صفة الايمان والطاعة. وقيل أيضا : يجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد. وقيل غير ذلك. (فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) فالذين فارقوا قومهم إلى المدينة أو الذين طردوا من قبل المشركين من بيوتهم وأهليهم في مكة (وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي) لحق بهم الأذى بسبب إيمانهم بي (وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا) أي جاهدوا الكفار وحاربوهم وقتلوا أثناء جهادهم (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) لأمحونّ الذنوب عنهم ، وأتجاوز عنها (وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) مر معناه (ثَواباً) لهم على ذلك (مِنْ عِنْدِ اللهِ) تفضلا منه ووعدا حسنا. وقد صرّح هنا باسم الجلالة تنويها بشرف الثواب الذي أعده لهم. (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) أي الجزاء الجميل على الأعمال الحسنة.
١٩٦ ـ (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) : الخطاب للنبي والمقصود الأمة. لا يخدعنّكم أيها المؤمنون تردد وتجوّل الذين كفروا في البلاد سالمين متاجرين متكسبين للأموال جامعين للثروات.
١٩٧ ـ (مَتاعٌ قَلِيلٌ ...) أي أن ما ترونه من حصول تقلّب هؤلاء في رغد العيش إن هو إلّا متاع زائل حقير في جنب ما أعدّه الله للمؤمنين من نعم دائمة في الآخرة. (ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) مآبهم يوم القيامة جهنم يدخلونها داخرين (وَبِئْسَ الْمِهادُ) أي ما أسوأ هذا المستقر الذي ينزلون فيه ويمهدونه لأنفسهم بأعمالهم السيئة.
١٩٨ ـ (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ ...) أي الذين خافوا الله وتجنّبوا معصيته وعملوا بطاعته. (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) مر معناه (نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ) قصورا ينزلون فيها أعدّها لهم في نعيم دائم ... (وَما عِنْدَ اللهِ) مما أعدّه من نعيم مقيم (خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) أي أحسن للمؤمنين المطيعين ، من ذلك الذي يتقلّب فيه الكفار وهو زائل فان.
١٩٩ ـ (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ ...) أي من اليهود والنصارى من يصدق بالله ويقر بوحدانيته. وقد نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام وأصحابه من اليهود الذين أسلموا. وقيل نزلت في بعض من كانوا على النصرانية فأسلموا. (وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) من كتاب وسنّة (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) في كتبهم من علامات نبيّكم (ص) (خاشِعِينَ لِلَّهِ) خاضعين له مذعنين. (لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) أي لا يبيعون ما عندهم من الدلائل على وجود الله وتوحيده ورسوله بعوض يسير (أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي الثواب المختص بهم الذي وعدهم الله تعالى به يوم القيامة (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) مر معناه.
٢٠٠ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ...) أي يا أيها المصدّقون بالله ورسوله (اصْبِرُوا) على دينكم أي اثبتوا عليه (وَصابِرُوا) على قتال الأعداء أثناء الجهاد في سبيل الله (وَرابِطُوا) أي أعدّوا لهم وتهيّأوا وهيّئوا ما يلزم لقتالهم. (وَاتَّقُوا اللهَ) وحاذروا ما يغضبه ، وافعلوا ما يرضيه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي تنجحون وتفوزون.