(عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) أي يشرب منها أولياء الله وخصّهم بكونهم عباده تشريفا لهم (يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) أي يجرّون ماء هذه لعين حيث شاؤوا من قصورهم ومنازلهم. وقد قيل إنّ أنهار الجنة تجري بغير أخاديد ، وأن المؤمن إذا شاء أن يجري نهرا خطّ له خطّا فينبع الماء من ذلك الموضع ويجري بدون تعب.
٧ ـ ١٠ ـ (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ...) أي إذا نذروا طاعة لله وفوا بها وأدّوا الطاعة على أكملها. (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) أي يخشون شرّ يوم القيامة الذي بلغ الشرّ فيه الغاية القصوى وانتشر في كل الجهات كأنه يتطاير في الآفاق. (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) أي يطعمونه للآخرين مع أنهم شديد والحبّ له والرغبة فيه ، وهذا معناه أنهم يؤثرون المستحقين على أنفسهم. (مِسْكِيناً) أي فقيرا لا طعام عنده (وَيَتِيماً) لا والد له ولا قوة لديه من الأطفال (وَأَسِيراً) وهو المأخوذ أسرا من دار الحرب (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) أي طعاما خالصا مخلصا لله دون رياء (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) على إطعامنا لكم ، فلا نطلب المكافأة العاجلة ولا نطلب شكركم لنا من أجله (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً) أي نخاف عذاب يوم تقطّب فيه وجوه الكافرين خوفا وهلعا فيبدو اليوم نفسه مكفهّرا غاضبا (قَمْطَرِيراً) صعبا شديدا لأنه يقلّص الوجوه ويقبض الجباه وما بين الأعين.
١١ ـ ١٨ ـ (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ ...) أي كفى سبحانه الأبرار شرّ يوم القيامة ومنع عنهم أهواله (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) أي أوصلهم إلى النّعم والسرور واستقبلهم بها (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) كافأهم لصبرهم على الطاعة ولاجتنابهم المعاصي (جَنَّةً وَحَرِيراً) يسكنون الجنّة ويلبسون الحرير ويفترشونه ويجلسون عليه (مُتَّكِئِينَ فِيها) يستندون كجلوس الملوك في الجنّة (عَلَى الْأَرائِكِ) أي الأسرّة والكراسي الوثيرة (لا يَرَوْنَ فِيها) في الجنّة (شَمْساً) يتأذّون بحرّها (وَلا زَمْهَرِيراً) هواء باردا ينزعجون من برودته (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) أي تلفّهم أفياء تلك الجنة لأنها قريبة منهم لا تزيلها شمس كما تزيل شمسنا ظلال الأشياء في الدنيا (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) أي سهل أخذها وتناولها لأنها مسخّرة لطالبها (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ) أي يدار على أولئك الأبرار بأوعية من فضّة (وَأَكْوابٍ) جمع كوب أي بأقداح (كانَتْ قَوارِيرَا) أي هي من زجاج (قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) أي أنه اجتمع لها لمعان الفضة وصفاء الزجاج فصار يرى ما في داخلها من خارجها. (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) أي قدّرها الذين يسقون الأبرار بها تقديرا يساوي ريّ الأبرار بحيث لا يزيد ولا ينقص (وَيُسْقَوْنَ فِيها) في الجنّة (كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) أي ممزوجة بالزنجبيل الذي هو ليس كزنجبيل الدنيا بل يفوقه طعما ورائحة (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) أي أن المزيج هذا من عين تسمى السلسبيل ، وهي ـ كما قال الزجاج ـ صفة لما كان في غاية السلاسة.
١٩ ـ ٢٢ ـ (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ...) مر معناه. (إِذا رَأَيْتَهُمْ) إن نظرت إليهم في صفائهم (حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) لحسن منظرهم وبهاء رونقهم (وَإِذا رَأَيْتَ) نظرت (ثَمَ) يعني في الجنّة (رَأَيْتَ نَعِيماً) عظيما (وَمُلْكاً كَبِيراً) جزيلا قال عنه الإمام الصادق (ع): لا يزول ولا يفنى. (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ) قيل : عالي : ظرف ، أي : فوقهم ثياب سندس. وقيل هي حال أي : يعلوهم الثياب الرقيقة (خُضْرٌ) لونها كذلك (وَإِسْتَبْرَقٌ) وهو السندس الغليظ (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) أي تحلّت أيديهم بأساور الفضة الشفّافة التي يرى ما وراءها (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) طاهرا من القذارة والدنس وليس كشراب الدنيا. (إِنَّ هذا) الذي وصفه سبحانه من نعيم الآخرة وملذّاتها (كانَ لَكُمْ جَزاءً) أي مكافأة لكم أيّها الأبرار (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) أي كان عملكم في الدنيا مقبولا مرضيّا وجزاؤه كان بمثابة الشكر لكم عليه.
٢٣ ـ ٢٦ ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً ...) هذا خطاب للنبيّ (ص) ، وقيل في معناه أنه سبحانه فصّله في الإنزال آية بعد آية ولم ينزله جملة واحدة (فَاصْبِرْ) يا محمد على ما حمّلتك من أعباء الرسالة ، واصبر (لِحُكْمِ رَبِّكَ) تقديره بأن تبلّغ الكتاب وتعمل بما فيه وتأمر الآخرين بذلك ، ثم اصبر على التكذيب والأذى أيضا (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ) أي من المشركين في مكة (آثِماً) مرتكبا للإثم عنى به عتبة بن ربيعة (أَوْ كَفُوراً) عنى به الوليد بن المغيرة (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) امض على طريقتك من العبادة والدعاء ودعوة الناس إلى الهدى (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) في أول النهار وآخره.