١٨ ـ ٣١ ـ (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ، فَقُتِلَ
كَيْفَ قَدَّرَ ...) أي أنه تأمّل وتفكّر فيما يقوله في نعت محمد (ص) وفيما
يحتال به للباطل فلعن وعذّب على تقديره ذلك في آياتنا (ثُمَّ نَظَرَ) قلّب البصر في طلب ما يردّ به القرآن (ثُمَّ عَبَسَ) قطّب (وَبَسَرَ) كلح وجهه ونظر بكراهة (ثُمَّ أَدْبَرَ) عن الإيمان. (وَاسْتَكْبَرَ) تعجرف حين دعي إليه. (فَقالَ إِنْ هذا) ما هذا القرآن (إِلَّا سِحْرٌ
يُؤْثَرُ) أي أنه سحر يروى عن السّحرة. وقيل : يؤثر من الإيثار ، أي
يستحسن لحلاوته (إِنْ هذا) ما هذا القرآن (إِلَّا قَوْلُ
الْبَشَرِ) قول الإنس وليس من عند الله تعالى (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) أي سأحرقه في نار جهنم وألزمه بها (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) أي ما معرفتك أيها السامع بسقر في هولها وشدّة عذابها
وضيقها (لا تُبْقِي) لسكّانها لحما إلّا أكلته (وَلا تَذَرُ) لا تدعهم إذا أعيدوا خلقا جديدا بل تشوّههم وتحرقهم حتى
تذيقهم ألوان العذاب (لَوَّاحَةٌ
لِلْبَشَرِ) أي مغيّرة لجلودهم تجعلها محروقة سوداء (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) ملكا من ملائكة العذاب (وَما جَعَلْنا
أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) أي ما جعلنا الموكّلين بالنار إلا ملائكة وجعلنا شهوتهم في
التعذيب لأهل النار (وَما جَعَلْنا
عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي لم نجعلهم بهذا العدد إلا محنة للكافرين الذين أنكروا
الوحدانية ، وليفكّروا في ذلك مليّا فإنه سبحانه لا يفعل إلّا ما فيه الحكمة فكيف
جعل هؤلاء تسعة عشر في حين أنه خلق ملكا واحدا يقبض أرواح العالمين جميعا (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ) ليصدّق اليهود والنصارى أن رسولنا محمد صادق في كلّ ما
أخبر من كتبهم (وَيَزْدادَ الَّذِينَ
آمَنُوا إِيماناً) أي ليزدادوا يقينا بهذا العدد وبصدق جميع ما جاء به رسولنا
الكريم إذا أخبرهم أهل الكتاب أنه مطابق لما في كتابهم (وَلا يَرْتابَ) ولا يشك (الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) بهذا العدد من خزنة جهنّم (وَلِيَقُولَ
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي زيغ ونفاق (وَ) ليقول معهم (الْكافِرُونَ : ما ذا
أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً؟) أي ماذا أراد الله بهذا الوصف للعدد وليفكّروا فيصلوا إلى
التدبّر والإذعان والإيمان. واللام في (ليقول) هي للعاقبة ، أي ليكون عاقبة أمرهم
أن يقولوا ذلك (كَذلِكَ يُضِلُّ
اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أي كما جعلنا خزنة جهنّم ملائكة عددهم محنة واختبارا ،
فكذلك نكلّف الخلق ليظهر الضلال من بعضهم ، والهدى من بعضهم الآخر. (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا
هُوَ) أي لا يعرف كثرة عددهم غيره. (وَما هِيَ إِلَّا
ذِكْرى لِلْبَشَرِ) أي موعظة وتذكرة للعالم حتى يتفكروا فيجتنبوا ما يستوجبون
به ذلك.
٣٢ ـ ٣٧ ـ (كَلَّا وَالْقَمَرِ ، وَاللَّيْلِ إِذْ
أَدْبَرَ ...) أي : لا ، ليس الأمر كما يتوهّم الكفار من التغلّب على
خزنة النار ، ثم أقسم سبحانه بالقمر وبالليل إذا ولّى وذهب (وَ) أقسم أيضا ب (الصُّبْحِ) نور الفجر (إِذا أَسْفَرَ) أضاء وأنار (إِنَّها لَإِحْدَى
الْكُبَرِ) أي أن سقر التي تحدّثت عنها الآيات السابقة هي إحدى
العظائم. وهذا جواب القسم (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) أي مخوّفا ومنذرا ومحذّرا مما ينبغي الحذر منه. (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ
أَوْ يَتَأَخَّرَ) أي أن يتقدّم في طاعة الله أو يتأخر عنها بارتكاب المعاصي.
٣٨ ـ ٤٧ ـ (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ
...) أي أن كلّ نفس مرهونة بعملها حبيسة مطالبة بما جنته من طاعة
أو معصية. (إِلَّا أَصْحابَ
الْيَمِينِ) أي ما عدا الذين يعطون كتبهم بأيمانهم (فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ) أي يسأل بعضهم بعضا (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) أي المذنبين الذين استحقّوا النار قائلين : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) أي ما أوقعكم في النار (قالُوا لَمْ نَكُ
مِنَ الْمُصَلِّينَ) أي لم نؤدّ الصلوات المفروضة (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ
الْمِسْكِينَ) أي لم نخرج الزكاة وباقي الحقوق المالية لأربابها (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) أي كنا ندخل في كلّ باطل (وَكُنَّا نُكَذِّبُ
بِيَوْمِ الدِّينِ) أي كنّا ننكر يوم الجزاء وما يستتبعه. (حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) حتى أتانا الموت ونحن على هذه الحالة.