(وَأَنَّا مِنَّا
الْمُسْلِمُونَ) الذين أذعنوا لما أمرهم الله تعالى به (وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) أي الحائدون عن طريق الحق (فَمَنْ أَسْلَمَ) استسلم لأمر الله (فَأُولئِكَ
تَحَرَّوْا رَشَداً) أي فأولئك التمسوا الهدى وطلبوا الثواب (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ) العادلون عن الحق (فَكانُوا لِجَهَنَّمَ
حَطَباً) سيكونون من أهل النار التي تحرقهم كما تحرق النار الحطب.
١٦ ـ ١٧ ـ (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى
الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ...) إلخ هذا الكلام ابتداء حكم منه سبحانه مؤداه أن المستقيم
على الهدى من الإنس والجنّ ينزل عليه بركات من السماء ، وقيل قصد سبحانه مشركي مكة
الذين رفع عنهم المطر سبع سنوات. وقد عنى بالماء النازل من السماء الخير كلّه لأن
الرزق إنما يكون بالمطر. (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي لنختبرهم هل يشكرون أم يزدادون كفرا. أو لنختبرهم كيف
يكون شكرهم. (وَمَنْ يُعْرِضْ) ينصرف (عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) عن التفكير فيما يوصله إلى معرفة الله تعالى وشكره وطاعته (يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) أي يدخله في عذاب شديد يتصعّد في المشقّة والعظم.
١٨ ـ (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا
تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ...) تقدير الكلام : ولأن المساجد لله ، فلا تدعوا فيها مع الله
أحدا ، واجعلوها بيوتا خالصة لذكر الله. وقيل : المساجد هنا هي مواضع السجود ، وهي
الجبهة والكفّان ، وأصابع الرجلين وعينا الرّكبتين ، فهي لله تعالى وقد خلقها فلا
يجوز أن يسجد عليها لغيره.
١٩ ـ ٢٠ ـ (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ ...) أي لمّا أخذ محمّد (ص) (يَدْعُوهُ) يدعو ربّه ويقول : لا إله إلا الله ، ويدعو إلى توحيد ربّه
تاليا القرآن (كادُوا يَكُونُونَ
عَلَيْهِ لِبَداً) أي تجمّع الجنّ من حوله وركب بعضهم بعضا من شدّة الزّحام
رغبة باستماع تلاوته ودعوته. وقيل هذا القول قالته الجنّ حين رجعوا إلى قومهم
ووصفوا لهم ازدحام أصحاب النبيّ (ص) من حوله حرصا على أن لا يفوتهم شيء. (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا
أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) أي قل لمشركي قومك يا محمد ذلك. وذلك أنهم أنكروا دعوته
ورفضوها.
٢١ ـ ٢٤ ـ (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا
وَلا رَشَداً ...) أي قل يا محمد للناس : إني لا أدفع عنكم ضررا ولا أوصل لكم
خيرا من عند نفسي ، ولكنّ الله تعالى هو القادر على ذلك (قُلْ) يا محمد للمكلّفين : (إِنِّي لَنْ
يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) أي لا يمنعني أحد مما قدّره الله لي (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) أي ولا أجد غير الله ملتجأ التجأ إليه طلبا للسلامة (إِلَّا بَلاغاً) أي تبليغا (مِنَ اللهِ) من وحيه (وَرِسالاتِهِ) ما جئت به عنه جلّ وعز. (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ
وَرَسُولَهُ) يخالفهما ويبقى على الكفر واقتراف الذنوب (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ
فِيها أَبَداً) جزاء على ذلك (حَتَّى إِذا رَأَوْا
ما يُوعَدُونَ) أي عاينوا ما وعدناهم به من عقاب الدنيا وهو عذاب
الاستئصال (فَسَيَعْلَمُونَ) يومئذ (مَنْ أَضْعَفُ
ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) من كلّ من المؤمنين والمشركين.
٢٥ ـ إلى آخر
السورة ـ (قُلْ إِنْ أَدْرِي ...) أي لست أعرف (أَقَرِيبٌ ما
تُوعَدُونَ) من العذاب (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ
رَبِّي أَمَداً) أي وقتا وحدّا ينتهي إليه. (عالِمُ الْغَيْبِ) يعرف متى يوم القيامة الغائب علمه عن الناس (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) أي لا يطلع عليه واحدا من عباده. (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) أي الأنبياء (ص) فإن نبوّتهم تثبت بأن يخبروا الناس ببعض
المغيّبات عند المعجزة الدالة على صدقهم. (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) أي يجعل له طريقا إلى معرفة ما كان قبله وما يكون بعده (لِيَعْلَمَ) أي ليعرف الرسول (أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا) أي الملائكة. وقيل : ليعلم محمّد (ص) أن الرّسل الذين
سبقوه قد أبلغوا ـ جميعهم ـ (رِسالاتِ رَبِّهِمْ) كما أبلغ هو رسالته (وَأَحاطَ بِما
لَدَيْهِمْ) يعني : وعلم الله تعالى بما جرى بين رسله وخلقه (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) أي عرف جميع ما خلقه ولم يفت علمه شيء حتى مثقال الذرّة.