٤٠ إلى آخر السورة ـ (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ ...) قد مرّ تفسيره مثل هذا القسم في سورة الحاقة ، والمشارق هي مشارق الشمس ، والمغارب هي مغاربها (إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) أي أننا قادرون على إهلاكهم وخلق من هم خير منهم (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) ولن يسبقنا على عذاب الكفار والمكذّبين أحد ، ولا يفوتنا إدراكهم (فَذَرْهُمْ) دعهم يا محمد (يَخُوضُوا) في غيّهم وضلالهم (وَيَلْعَبُوا) يلهوا بما هم فيه (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) أي يوم القيامة الذي وعدناهم به فلم يصدّقوا به (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) أي من القبور (سِراعاً) مسرعين (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) أي مثل من يسرعون إلى علم نصب لهم يريدون أن يبلغوه ويلتفّوا من حوله ، وقيل كأنهم يسرعون إلى أوثانهم التي كانوا يعكفون على عبادتها (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) ذليلة منكّسة إلى الأرض (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) يغشاهم خزي وحقارة (ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) يعني فهذا هو اليوم الذي وعدناهم به في دار الدنيا وأيام التكليف فكذّبوا به وجحدوه.
سورة نوح
مكية ، عدد آياتها ٢٨ آية
١ ـ ٤ ـ (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ ...) إنّا بعثنا نوحا إلى قومه رسولا منا (أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي حذّرهم من العذاب إذا لم يؤمنوا بنا وبرسالتك إليهم. (قالَ يا قَوْمِ) وأضافهم إلى نفسه تحريكا لعواطفهم مثل من يقول : أنتم عشيرتي يسرّني ما يسرّكم ، ويسوؤني ما يسوؤكم (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي رسول مخوّف موضح وجوه الأدلة في الوعيد وأمور الدين والتوحيد (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ) أي لا تشركوا به واجتنبوا غضبه (وَأَطِيعُونِ) فيما آمركم به (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أي إن آمنتم يتجاوز عن معاصيكم (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) فقد اشترط عليهم الأجل في الوعد المسمّى بعبادة الله ، فإذا لم تقع منهم الطاعة ولا العبادة أخذوا بعذاب الاستئصال قبل أجلهم الأقصى (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) يعني أن أجله الأقصى الذي عيّنه لإهلاككم لا يؤخّر عن وقته (لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لو كنتم تعرفون ذلك وتؤمنون به.
٥ ـ ٧ ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً ...) أي قال نوح : يا ربّ إنّي دعوت قومي إلى عبادتك وترك الشّرك ، وإلى الاعتراف بنبوّتي ، ليلا ونهارا (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) أي فكانوا ينفرون من دعوتي ولا يقبلون قولي (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ) إلى الإخلاص والعبودية لك (لِتَغْفِرَ لَهُمْ) لتعفو عن سيئاتهم (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) حتى لا يسمعوا كلامي (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) غطّوا بها وجوههم حتى لا يروني (وَأَصَرُّوا) أقاموا على كفرهم (وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) أي : أنفوا وتكبّروا وترفّعوا عن قبول الحق.
٨ ـ ١٢ ـ (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً ...) أي أنني دعوتهم سرّا وعلانية (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) اطلبوا منه المغفرة عن معاصيكم وكفركم (إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) يتجاوز عمّن استغفره إذا تاب وأناب.