٢٣ ـ (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ...) أي أخبرني ، أو : أو ما ترى يا محمد من اتخذ دينه ما تهواه نفسه فإن مالت إلى شيء ارتكبه لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه. (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ ...) أي خذله بأن يتركه وشهواته ويخلّي بينه وبينها لعلمه سبحانه باستحقاقه لذلك لخبث سريرته (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) أي طبع الله عليهما بحيث لا يؤثّر فيهما وعظ ولا نصح. (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) أي وضع على بصره غطاء حتى لا يرى آياته تعالى ودلائل توحيده وقدرته فكأنّه أعمى (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) أي بعد أن خلّاه وضلاله ، أو من بعد هداية الله له بآياته الباهرة وعدم اهتدائه بها (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي أفلا تتّعظون بهذه المواعظ.
٢٤ ـ (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا ...) أي التي نحن فيها (نَمُوتُ وَنَحْيا) أي نموت نحن ويحيا آخرون فعادة الطبيعة جرت على هذا فلا بعث ولا حساب. (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) أي مرور الزّمان فضمّوا إلى إنكار المعاد إنكار المبدإ. (وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) أي لا علم لهم بمقالتهم حيث لا دليل لهم ولا برهان وكل ما كان كذلك فهو باطل (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) فإنّ حجتهم لا يحصل منها على ما بينّا إلّا الظن ، والظنّ لا يغني من الحق شيئا.
٢٥ ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ...) أي إذا قرئت آياتنا المتّصفة بالوضوح عليهم المخالفة لمعتقداتهم (ما كانَ حُجَّتَهُمْ) أي لم تكن لهم حجة تقابل حججنا (إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فهذا القول إقرار واعتراف منهم بعجزهم عن إثبات دعواهم بحجة وبرهان. فقالوا : لو كنتم صادقين فيما تدّعونه فادعوا ربّكم أن يحيي آباءنا حتى يصدّقوكم في دعواكم فنؤمن لكم.
٢٦ ـ (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ ...) إلخ. أي قل لهم يا محمد الله يحييكم في دار الدنيا إذ لا أحد يقدر على الإحياء غيره ثم يميتكم عند انقضاء آجالكم ثم يحشركم احياء يوم القيامة لا شك في كونه. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لقلّة تفكّرهم وقصور نظرهم في ما يحسّونه.
٢٧ ـ (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ ...) إلخ. أي خلقا وتدبيرا وتصرفا ومن كان كذلك فهو قادر على البعث. (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) العادلون عن الحق سوف يكتشفون يوم القيامة انهم قد خسروا إذ لن يحصلوا من وراء كفرهم إلا على الخزي والفشل في الدنيا وعذاب النار في الآخرة.
٢٨ ـ (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً ...) أي يا محمّد ترى يوم القيامة أمّة كلّ نبيّ يحشرون مجتمعين ، أو جالسين على ركبهم ينتظرون الحساب. (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) أي إلى صحيفة أعمالها فيقول الآتي بكتاب العمل : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي هذا اليوم يوم أجر الأعمال الماضية التي فعلتموها في الدنيا.
٢٩ ـ (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ...) يعني هذا الكتاب كتبه الحفظة بأمرنا وهو يتكلّم ويشهد عليكم بالصّدق والصّحة بما عملتم بلا زيادة ولا نقيصة (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بأن أمرنا الملائكة بكتابة أعمالكم كلها.
٣٠ ـ (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...) أي الذين صدّقوا بالله ورسوله وفعلوا الطاعات وتركوا المعاصي فالإيمان تصديق وعمل. (فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) ومنها حصول الفوز بالجنّة (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) أي الفلاح الظاهر لخلوصه عن الشوائب.
٣١ و ٣٢ ـ (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ ...) أي يقال لهم : ألم يأتكم رسلي ليتلوا عليكم حججي ودلائل توحيدي؟ (فَاسْتَكْبَرْتُمْ) عن قبولها بعد التّلاوة والبيان (وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ) أي كافرين (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي إذا خوطبوا بالوعيد والبعث (وَالسَّاعَةُ) أي القيامة (لا رَيْبَ فِيها) أي لا شكّ فيها. (قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ) في مقام الإنكار (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) يعنون بذلك فرارهم من الجواب أي ليس لنا يقين بيوم حساب وجزاء إن هي إلّا حياتنا الدنيا ، وزائدا على ذلك موضع شكنا.