١٤ ـ (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا ...) يا محمّد قل لهم اصفحوا في الدنيا ليتولى الله مجازاتهم في الآخرة. (لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) أي لا يخافون عذاب الله لو آذوكم ولا يطمعون في ثوابه إذا تركوا أذيتكم (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي ليجزي الله الصابر بصبره ، والكافر بعناده وجحوده.
١٥ ـ (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ...) أي من أتى بفعل طاعة لخالقه أو إحسان لإخوانه المؤمنين فثوابه يرجع إلى نفسه (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) ومن أتى بعمل قبيح أو ظلم لإخوانه المؤمنين فعقابه عليه (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) فيجازيكم كلّا بعمله.
١٦ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ ...) أعطيناهم التوراة (وَالْحُكْمَ) من المحتمل أن يكون المراد هو العلم بفصل الخصومات ، أو المعرفة بأحكام الله (وَالنُّبُوَّةَ) أي جعلنا فيهم النبوة حتى قيل انه كان فيهم الف نبي. (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي اللذائذ المباحة بأنواعها بعد أن أورثهم مصر. (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) قال بعض المفسّرين أراد بالعالمين عالمي زمانهم ، لكن الظاهر ان التفضيل كان عاما ولكن من جهات مخصوصة ككثرة الأنبياء فيهم والمن والسلوى وغير ذلك.
١٧ ـ (وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ ...) أي قرّرنا لهم دلائل وعلائم من أمر النبيّ الخاتم ونعوته في التوراة والإنجيل (فَمَا اخْتَلَفُوا) في هذا الأمر (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) أي بعد أن أنزل الله الكتب على أنبيائهم وأعلمهم بما فيها من أمر خاتم الأنبياء (ص) وأنّه مخالف لهم في دينهم ، ودينه ناسخ للأديان طرّا ورأوا أن الرئاسة قد تؤخذ منهم فاختلفوا (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي عداوة وحسدا للنبيّ (ص) (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) إلخ أي في خلافاتهم فيجازيهم ويؤاخذهم عليها بما يستحقون.
١٨ ـ (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ ...) أي جعلناك يا محمد من بعد موسى وقومه على منهج وعلى طريقة مستقيمة إلى دين الإسلام أو التوحيد (فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي اجعل قدوتك وطريقتك ما شرعناه لك من دين الإسلام واعمل به ولا تذهب مذهب من اتّبع هواه وجعله آلهة ولا تتّبع آراء الجهلة وهم رؤساء قريش أو اليهود حيث غيّروا التوراة اتّباعا لهواهم وحبّا للرّئاسة واستتباعا لعوامّ الناس.
١٩ ـ (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ ...) إلخ أي لو اتّبعتهم فرضا ونزل عليك عذاب من ربّك فلن يقدروا أن يرفعوه عنك أو يدفعوه (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) يعني أنّ الكفار بأجمعهم متّفقون على معاداتك وبعضهم أنصار بعض عليك فاستقم على شريعتك واثبت عليها (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) أي الله يحبّك فيتولّى أمورك وينصرك ويحفظ تابعيك.
٢٠ ـ (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ ...) أي القرآن أو الإسلام أو الشريعة معالم وعبر تبصّرهم محجّة النّجاة ووجه الفلاح. (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) أي دلالة واضحة ونعمة من الله (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي يصدّقون بوعد الله ووعيده وثوابه وعقابه.
٢١ ـ (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ ...) الاستفهام إنكاريّ والاجتراح الاكتساب أي بل ظن الذين اكتسبوا أعمالا سيّئة من الشّرك والمعاصي الأخر (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) أي أن نجعل موتهم وحياتهم كحياة المؤمنين وموتهم ومنزلتهم كمنزلتهم (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي بئس ما حكموا على الله حيث إنّه بمقتضى عدله لا يسوّي بينهم أحياء وأمواتا وما بعد الموت.
٢٢ ـ (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ...) أي أبدعهما ابتداء لا عبثا وباطلا بل لمصالح وحكم منها نفع خلقه بأن يكلفهم ويعرضهم للثواب والجنة. (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) من ثواب على طاعة أو عقاب على المعصية ففي خلقهما اختبار وامتحان للخلق. (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي في الجزاء بنقص ثواب وتضعيف عقاب على ما يستحقّه.