٤٥ ـ (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ ...) أي لو يؤاخذهم بذنوبهم والمراد بالمؤاخذة الدنيوية كما يدل عليه قوله تعالى الآتي : ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمّى ... إلخ. والمراد بالناس : جميعهم ، فإن الآية مسبوقة بذكر مؤاخذة بعضهم وهم الماكرون المكذبون بآيات الله ، والمراد بما كسبوا المعاصي التي اكتسبوها بقرينة المؤاخذة التي هي العذاب ، وقد قال في نظيرة هذه الآية ، وهي الآية ٦١ من سورة النحل : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ ..) «وقوله تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ ...) إلخ واقعة موقع الجواب عن سؤال مقدّر ناش عن الآية السابقة فإنه تعالى لما أنذر أهل المكر والتكذيب من المشركين بالمؤاخذة واستشهد بما جرى في الأمم السابقة وذكر أنه لا يعجزه شيء في السماوات والأرض كأنه قيل : فإذا لم يعجزه شيء في السماوات والأرض فكيف يترك سائر الناس على ما هم عليه من المعاصي؟ وماذا يمنعه أن يؤاخذهم بما كسبوا؟ فأجاب : إنه لو يؤاخذ ... إلخ». (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) أي الأرض لأن الناس يعيشون على ظهرها ، على أن الأرض تقدم ذكرها في الآية السابقة. (مِنْ دَابَّةٍ) المراد بالدابة كل ما؟؟؟ على الأرض وفيها من إنسان ذكر أو أنثى أو كبير أو صغير. واحتمل أن يكون المراد كل ما يدب في الأرض من حيوان ، وإهلاك غير الإنسان من أنواع الحيوان إنما هو لكونها مخلوقة للإنسان كما قال تعالى في ٢٩ من سورة البقرة : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً). (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ) ويمهلهم (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي يوم القيامة أو الموت. (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) فيجازي كل واحد بما عمل إن خيرا فخير وإن شرا فشرّ لأنه بصير بهم عليم بأعمالهم لأنهم عباده ، وكيف يمكن أن يجهل الخالق خلقه ، والربّ عمل عبده؟!. وقوله : فإن الله كان بعباده ... إلخ من وضع السبب موضع المسبب الذي هو الجزاء.
سورة يس
مكية ، عدد آياتها ٨٣ آية
١ ـ (يس ...) في المعاني عن الصّادق (ع): وأمّا يس فاسم من أسماء النبيّ ومعناه : يا أيّها السّامع للوحي. وقيل معناه يا إنسان.
٢ ـ (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ...) الواو للقسم. أقسم سبحانه بالقرآن المحكم من تطرّق البطلان إليه أو سمّاه حكيما لما فيه من الحكمة.
٣ و ٤ ـ (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ...) على الطريق الواضح.
٥ ـ (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ...) أي منزّل ذلك من عند الغالب الذي لا يقهر الرحيم بخلقه.
٦ ـ (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ ...) أي لتخوف به من معاصي الله قوما لم ينذر آباؤهم قبلهم لأنهم كانوا في زمان الفترة. وقيل معناه : لتنذر قوما كما أنذر آباؤهم بناء على أن ما مصدرية. (فَهُمْ غافِلُونَ) عمّا تضمّنه القرآن وعمّا أنذر الله به من نزول العذاب.
٧ ـ (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ ...) أي وجب الوعيد واستحقاق العقاب على معانديهم (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي يموتون على جحودهم وكفرهم.
٨ ـ (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ ...) يعني أيديهم مغلولة إلى أذقانهم بقيد مربوط بأعناقهم. وذلك لأنّ الغلّ إنما يجمع اليد إلى الذّقن فيما إذا كان يراد أن تشدا إلى العنق. (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) أي مرفوعة رؤوسهم بواسطة القيود ولذا فهم لا يستطيعون خفضها ولا تحريكها.
٩ ـ (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ... فَأَغْشَيْناهُمْ ...) أي غطّيناهم. وروى القمّي أن الباقر (ع) يقول : فأعميناهم (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) الهدى.
١٠ و ١١ ـ (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ...) فهؤلاء المذكورون في الآيات السابقة لا تفيد معهم الذكرى ولا ينفعهم الإنذار لأنهم لا يؤمنون بقولك لفرط عنادهم وكفرهم. وأنت (إِنَّما تُنْذِرُ) تخوّف (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) تابع هذا القرآن واستمع لمقالته واتّعظ بمواعظه ، (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) أي صدّق بما غاب عنه من الأمور الأخروية. (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) أي جزاء عظيم وعفو عن ذنوبه.
١٢ ـ (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى ...) يوم القيامة للجزاء (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) أي نحصي طاعاتهم ومعاصيهم في الدنيا (وَآثارَهُمْ) أي ما يقتدى بهم فيه من بعدهم من حسنة وسيّئة. (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) أي عدّدناه في اللّوح المحفوظ.