٧ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا ... وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي ...) أي نجزيهم على أحسن عملهم بأحسن جزاء ، وبعد ذلك نجزيهم على أعمالهم الأخر التي دون العمل الأحسن طبق العمل الأحسن. ويتبين من ذلك أن عاقبة إيمانهم ونفعه يعود إليهم لا إلى الله سبحانه وأنه عطية من الله وفضل. وعلى هذا فالآية لا تخلو من دلالة ما على أن الجهاد في الله هو الإيمان والعمل الصالح ، فإنها في معنى تبديل قوله في الآية السابقة : ومن جاهد .. من قوله في هذه الآية : والذين آمنوا و... إلخ.
٨ و ٩ ـ (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً ...) إلخ. أي أمرناه : افعل بهما حسنا وإذا دعياك وألحّا عليك (لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي لتشرك بي في العبادة ما ليس لك ولا لأحد علم بإلهيّته وهذا تتميم للتوصية بخطاب شفاهي ، وإشارة إلى علة النهي عن الطاعة فإن دعوتهما إلى الشرك بعبادة إله من دون الله دعوة إلى الجهل ، وعبادة ما ليس له به علم افتراء على الله وقد نهى الله عن اتباع عدم العلم في كثير من الآيات. (فَلا تُطِعْهُما) إلخ. في ذلك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. والصالحون من الناس ندخلهم يوم القيامة مع الصالحين.
١٠ ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ... فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ ...) أي لدينه ، يعني لأخذه طريق الحق يؤذيه الكفرة (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ) يعدّ عذاب الناس من المشركين (كَعَذابِ اللهِ) أي عذاب الناس يصير صارفا له عن إيمانه كما أن عذاب الله صارف لأهل الإيمان عن الكفر مع أن عذابهم يسير منقطع الآخر بنجاة أو موت ولا يقاس ذلك بعذاب الله المؤيد الذي يستتبع الهلاك الدائم. (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) أي فتح وغنيمة (لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) ولنا في الغنيمة مثلكم (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) أي يعلم الإخلاص والنفاق ويعلم الصدق والكذب.
١١ ـ (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ...) أي يعرف حقيقة ما في القلب لا باللّسان فقط (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.
١٢ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ... اتَّبِعُوا سَبِيلَنا ...) أي قال الكافرون للمؤمنين : كونوا على طريقتنا ، وإذا كان البعث والحساب والعقاب حقّا كما يقول محمّد فنحن نتحمّل ذنوبكم وهو سبحانه ردّهم وكذّبهم لأن قولهم : ولنحمل خطاياكم ، يشتمل على معنى ضمني ودعوى أن خطاياهم تنتقل إليهم لو احتملوها وأن الله يجيز لهم ذلك. وبعد ذلك قال :
١٣ ـ (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ ...) إلخ. أي أنّهم تضاعف أثقالهم بحملهم أثقال من تبعهم وتسبّبوا في إضلاله من غير أن ينقص من أثقال تابعيهم شيء بسبب أنهم ضالّون مضلّون. فالآية في معنى قوله تعالى في سورة النحل : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ...) ، وبعد ذلك نسألهم بالتأكيد (عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) من الكذب لإضلال الناس.
١٤ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ ...) يدعوهم إلى التوحيد والإيمان (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) فلم يؤمنوا به وأبوا أن يجيبوه ، (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ) إلخ. أهلكهم بالغرق وهم ظالمون لأنفسهم بكفرهم. والطوفان هو الماء الكثير الغامر لأنه يطوف بكثرته في نواحي الأرض. وقيل : هو كل ما يطوف بالشيء على كثرة وشدة من السيل والريح والظلام ، والغالب استعماله في طوفان الماء.