٧٨ ـ (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي ...) أي أراد إنما أعطيت هذا المال بفضل وعلم عندي ليسا موجودين عندكم ، أو لرضا الله عني ومعرفة باستحقاقي وهذا منه جواب عن جميع ما قاله المؤمنون من قومه ونصحوه به ، وكان كلامهم مبنيا على أن ما له من الثروة إنما آتاه الله إحسانا إليه وفضلا منه من غير استيجاب واستحقاق فيجب عليه أن يبتغي فيه الدار الآخرة ويحسن به إلى الناس ولا يفسد في الأرض بالاستعلاء والاستكبار والبطر. فأجاب بنفي كونه إنما أوتيه إحسانا من غير استحقاق ، وإذا كان ذلك باستحقاق فقد استقل بملكه وله أن يفعل فيما اقتناه من المال بما شاء وكيفما شاء. (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً) كشدّاد وعاد وثمود وأصحاب الرس (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) أي لا يسأل من كان قبلهم عن ذنوب هؤلاء المهلكين.
٧٩ ـ (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ...) أي خرج قارون على بني إسرائيل في زينته التي كان يتزين بها وابّهته وخدمه وحشمه (قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ) أي أن الكفار والمنافقين وضعيفي الإيمان. بما للمؤمنين من ثواب الجنة تمنّوا مثله لا عينه حذرا من الحسد. (إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) أي نصيب وافر من الدنيا.
٨٠ ـ (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ...) أي الخلّص من أصحاب موسى (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) مما أوتي قارون وهذه كلمة زجر عما هو غير مرضيّ. وهو في المقام زجر عن التمنّي الباطل. (وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ) أي لا يوفّق لمثل هذه الكلمة إلا الصابرون على طاعة الله وقيل لا يعطى الجنة إلا هؤلاء.
٨١ ـ (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ ...) أي ابتلعته وداره وما فيها من كنوز (فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ) إلخ. أي من أعوان يدفعون عنه العذاب.
٨٢ ـ (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ ...) أي الذين كانوا يترجّون مكانة قارون ويأملون منزلته ورفيع جاهه قبل الخسف ، ويك كلمة تستعمل لإظهار الندم بعدم انكشاف الخطإ. (وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) أي أن سعة الرزق وضيقه بيد قدرته وحسب ما تقتضيه الحكمة وتحكم المصلحة. (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا ...) إلخ. أي لولا ان أنعم الله علينا بنعمه فلم يعطنا ما أعطى قارون لخسف بنا كما فعل به ولا يفوز بثواب الله وينجو من عقابه الجاحدون لنعمه.
٨٣ ـ (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ ...) إلخ. أي التي سمعت خبرها وبلغك وصفها والاشارة إليها بلفظ البعيد للدلالة على شرفها وبهائها وعلو مكانتها وهو الشاهد على أن المراد بها الدار الآخرة السعيدة ولذا فسروها بالجنة. (لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا) غلبة وقهرا (وَلا فَساداً) بغيا وظلما.
٨٤ ـ (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ ... إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ ...) أي مثل ما كانوا يعملون لا يزاد على قدر استحقاقهم في عقابهم ، وفي هذا كمال العدل ، بخلاف الزيادة في الفضل على الثواب المستحق فإنّه يكون تفضلا. ففيه كمال الفضل والإحسان.