٢٩ ـ (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ ...) أي أتمّ ما كان عليه من الإيجار ، (وَسارَ بِأَهْلِهِ) أي بامرأته وبغنمه. (آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً) أي رأى من جانب جبل الطور نارا (قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً) أي توقفوا هنا فإني أبصرت نارا (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) أي بخبر عن الطّريق وكان قد ضلّ عنه (أَوْ جَذْوَةٍ) إلخ. أي قطعة أو شعلة من النار (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) تستدفئون بها.
٣٠ ـ (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ ...) أي أتى النار ووصل إليها سمع موسى مناديا يناديه (مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) أي من الجانب الأيمن لموسى أو للوادي (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) متعلق بنودي أي النداء ، كان فيها ، وهي البقعة التي قال فيها (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ ...) إلخ. وإنّما كانت مباركة لأنها كانت مهبط الوحي والرّسالة ونزول الكتب السماويّة غالبا (مِنَ الشَّجَرَةِ) فإن الشجرة كانت محلّا للكلام ومصدرا له (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي أن مناديك هو مالك العالمين وخالق الخلائق أجمعين تعالى عن أن يحل في محل لأنه ليس بعرض ولا جسم.
٣١ ـ (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ ...) أي إرم عصاك من يدك وإنّما أعاد سبحانه هذه القصّة وكرّرها في السور إثباتا للحجّة على أهل الكتاب واستمالة لهم إلى الحق ، ومن أحبّ شيئا أحبّ ذكره. والقوم كانوا يدّعون محبّة موسى ، وكلّ من ادّعى اتّباع سيّده مال إلى من ذكره بخير وتبجيل وفضل. على أن كلّ موضع من موارد التكرار لا يخلو من مزيد فائدة (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) أي بعد إلقائها رآها تتحرّك بكمال السّرعة كأنّها حيّة صغيرة مع عظم جثّتها وغاية كبرها ، ولذا خاف و (وَلَّى مُدْبِراً) أي منهزما على عقبه من الفزع (وَلَمْ يُعَقِّبْ) لم يرجع إلى موضعه ، فنودي (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ) أي ارجع ولا تفزع (إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) من كلّ مخوف حيث إنّك من المرسلين ، ولا يخاف لديّ المرسلون.
٣٢ ـ (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ...) أي أدخلها فيه. والجيب من القميص طوقه ، (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) ذات شعاع (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي مثل البرص أو أيّ عيب آخر (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) أدخل يدك اليمنى تحت عضدك اليسرى ، وكذلك العكس ، حتى يذهب بروعك وخوفك. (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ) أي العصا واليد حجّتان نيّرتان أنت مرسل بهما من عند ربك (إِلى فِرْعَوْنَ) الآية ، فإن فرعون وقومه قوم فاسقون.
٣٣ و ٣٤ ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً ...) إلخ. يريد القبطي الذي قتله فبيّن أن سبب خوفه منهم هو قتلهم له قودا بذلك القبطي (وَأَخِي هارُونُ) الموجود في مصر (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) إنما قال ذلك لعقدة ولكنة كانت في لسانه ، (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً) أي عونا لي (يُصَدِّقُنِي) يكون مصدّقا لي في بيان الحجج وتزييف الشّبه (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) حيث لا يفهمون مقصدي من عقدة لساني ولقصور بياني.
٣٥ ـ (قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ...) أي نجعله عونا لك ونقوّيك به (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) أي غلبة وسلطة بالحجج (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) أي فرعون وقومه لا يصلون إلى الإضرار بكما (بِآياتِنا) بسبب ما نعطيكما من الآيات (أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) لفرعون وملئه ، القاهرون لهم.