٥٨ ـ (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ ...) أي : فكسّرهم قطعا قطعا وترك أكبر الأصنام ، ذاك الذي كان في نظرهم عظيمها. (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) عسى أن يرجعوا إليه باعتباره الرئيس ، ثم يسألونه عن شأن بقية الأصنام المحطّمة فيستبصرون.
٥٩ و ٦٠ ـ (قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا ...) إلخ. أي الذي صنع هذا الصنيع بأربابنا فإنه ظالم لنفسه لأنه سيقتل وظالم لنا ولأصنامنا. وقيل : من للاستفهام وليست موصولة. (قالُوا) فيما بينهم : (سَمِعْنا فَتًى) شابا فتيّا (يَذْكُرُهُمْ) بالسوء ويعيبهم (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) يدعى إبراهيم.
٦١ ـ (قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ ...) أي : جيئوا به على مرأى من الناس (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) أي بما قاله فيكون ذلك حجة عليه.
٦٢ و ٦٣ ـ (قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ ...) : هل أنت الذي كسّر أصنامنا (قالَ) إبراهيم (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) أي صنع هذا التكسير كبير الأصنام (فَسْئَلُوهُمْ) اسألوا هذه الأصنام المحطّمة (إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) إذا كانوا يتكلّمون. وقد علّق إبراهيم (ع) فعله بالأصنام على نطق عظيمها في نظرهم والذي كان قد أبقى عليه وبذلك أعجزهم وبكّتهم لأن الجمادات لا تنطق ولا تجيب ، ومن كان هذا شأنه بحيث لا يسمع خطابا ولا يعقل ولا يحير جوابا بل لا يقدر على شيء فكيف يجوز أن يكون ربا ويحتلّ هذه المرتبة من الألوهية؟ بل كيف يجوز للإنسان أشرف المخلوقات أن يخضع له ويتذلل أما في حال ادّعائهم أن الأصنام تنطق وتجيب فسوف يفضحهم واقعها ويكذبهم حالها حين يسألونها فلا ترد ، ولهذا لم يجدوا بدا من الاعتراف بالحقيقة إضافة إلى ضلالهم وقلة عقلهم.
٦٤ ـ (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) : أي : فعادوا إلى التعقّل والتدبّر في أنفسهم ، فكانوا كأنّهم يقول بعضهم لبعض : إنّكم أنتم الظالمون لأنفسكم بعبادة هذه الأحجار.
٦٥ ـ (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ ...) أي تحيروا وعلموا أن أصنامهم لا تنطق فاعترفوا بما هو حجة عليهم (لَقَدْ عَلِمْتَ) عرفت أن (ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) أن الأصنام لا تتكلّم.
٦٦ و ٦٧ ـ (قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ؟ ...) قال لم تعبدون أحجارا لا تجلب لكم نفعا ولا تدفع عنكم ضرّا؟ (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي : تبّا لكم ولها ، وقبحا لصنيعكم الذي لا يرتكز على معقول في عبادة غير الله (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أفلا تتدبّرون ما أنتم عليه من الضلال؟ ٦٨ ـ (قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) : أي قال بعضهم لبعض : احرقوا إبراهيم بالنار دفاعا عن آلهتكم إن كنتم تريدون تعظيمها ونصرتها.
٦٩ ـ (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) : أي جعل الله تعالى النار كذلك بردا لا يضرّه ، وسلاما عليه ، فلم تحرق منه إلّا وثاقه.
٧٠ ـ (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) أي رغبوا في كيد إبراهيم وقتله ، فانقلب عليهم مكرهم وخسرت صفقتهم.
٧١ ـ (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً ...) أي وخلّصناه من كيد النمرود والهلاك بناره وكذلك نجّينا لوطا ـ ابن أخيه ـ الذي آمن به (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) وهي أرض الشام ، وصفها سبحانه بالبركة لأنها أرض خصب وسعة وقيل المراد بالأرض المباركة بيت المقدس.
٧٢ ـ (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ...) أي أعطينا لإبراهيم ولده إسحاق حين طلب الولد ثم رزقه يعقوب (نافِلَةً) أي زيادة من غير ابتداء دعاء منه (ع). وقيل : إنما كان يعقوب نافلة لأنه ابن إسحاق والعرب يقولون لولد الولد نافلة. (وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ) وجعلنا كلّ واحد منهم صالحا للنبوة من عبادنا المؤمنين.