٥٢ ـ (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ ...) أجاب موسى (ع) أمرهم وعلمهم عند ربّي ، وقد سجّل عليهم كلّ ما عملوه في اللوح المحفوظ إذ (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) فالأشياء المثبتة في ذلك الكتاب كلّها نصب عين ربّي وهي لا تذهب عن علمه ولا ينساها بل سوف يجازيهم.
٥٣ ـ (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً ...) أي فراشا ممهدا لإقامتكم (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) جعل لكم فيها طرقا (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي المطر (فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) فكان من أثر الماء أن خرج نبات الأرض بقدرة الله على اختلاف أشكاله وألوانه وأنواعه ، لأنه جعل من الماء كل شيء حيّ. وشتّى جمع شتيت ، كمرضى جمع مريض.
٥٤ ـ (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ ...) أي كلوا مما أنبت لكم من الأرض وارعوا مواشيكم منه. وفي هذه الآية الكريمة إشارة إلى أقسام النباتات ، فمنها ما يصلح لطعام الإنسان ، ومنها ما يصلح لغيره من الحيوانات ، وقد خاطب الإنسان أولا باعتبار أن كل ما في الأرض مسخّر له من نبات وجماد وحيوان. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) أي : إن فيها ذكر لكم لعبرا وأدلة لذوي العقول. والنّهى : جمع نهية ، سمّي بها العقل لنهيه عن القبيح ، وعن الإمام الباقر (ع) أنه قال : قال النبي (ص): إن خياركم أولو النهي ، قيل : يا رسول الله : ومن أولو النهى؟ قال : أولو الأخلاق الحسنة والأحلام الرزينة ، وصلة الأرحام ، والبر بالأمهات والآباء ، والمتعاهدون للفقراء والجيران واليتامى ويطعمون الطعام ، ويفشون السلام في العالم ، ويصلّون والناس نيام.
٥٥ ـ (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) : أي من التراب أنشأناكم ، وفي ذلك التراب نعيدكم عند الموت فتدفنون في الأرض وتنحلّ أجسادكم إلى تراب ومن ذلك التراب نخرجكم تارة أخرى ، فنحشركم للحساب بتأليف أجزائكم الترابية وردّ الأرواح إليها لتعدوا أحياء كما كنتم.
٥٦ ـ (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى) : أي عرّفنا فرعون معاجزنا التّسع التي بعثنا بها موسى لتكون دالّة على نبوّته وصدق رسالته ، فكذّب بها عنادا واستكبارا وامتنع عن قبولها.
٥٧ ـ (قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى؟) : أي قال فرعون : إنك لساحر ، وهل جئتنا بهذا السحر لتخرجنا من مصر.
٥٨ ـ (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ ...) أكّد بأنه سيجيئه بسحر مثل سحره (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً) فاضرب موعدا معيّنا يكون بيننا وبينك ، نحن وأنت أثناءه (لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ) فلا يتأخّر أحدنا عنه (نَحْنُ وَلا أَنْتَ) واختر له (مَكاناً سُوىً) معيّنا مستويا مسافة وبعدا فيما بيننا وبينك.
٥٩ ـ (قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ ...) أي قال موسى : الموعد بيننا يوم العيد الذي جعلتموه لكم في كلّ عام تتزينون فيه وتزينون أسواقكم (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) أي أنهم يجتمعون بعد شروق الشمس من ذلك اليوم فينظرون في أمري وأمرك.
٦٠ ـ (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى) : أي فارق موسى من المجلس على هذا الموعد فجمع السحرة من أطراف مملكته ثم جاء معهم في الموعد المضروب.
٦١ ـ (قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً ...) أي قال موسى ذلك القول للسحرة الذين أحضرهم فرعون الويل والعذاب لكم ، لا تكذبوا على الله فتنسبوا معجزاتي إلى السحر وسحركم إلى الحق. (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) فيهلككم بعذاب (وَقَدْ خابَ) خسر (مَنِ افْتَرى) فنسب الباطل إلى الله.
٦٢ ـ (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى) : أي فتشاوروا فيما سمعوه من حديث موسى وفرعون وفيما توعدهم به موسى من عذاب الله فيما لو كذبوا عليه وأخفوا تشاورهم عن فرعون وغيره.
٦٣ ـ (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ ...) إلخ. أي : ثم قال فرعون وجنوده للسحرة إن موسى وهارون ليسا سوى ساحرين يريدان أن يكيدا بكم ليخرجاكم من مصر. (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) أي بدينكم وما أنتم عليه من نظام الأشراف والعبيد واستخدام بني إسرائيل. وقيل بأن الذين قالوا ذلك هم السحرة.
٦٤ ـ (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ...) أي هيّئوا مكركم للقاء موسى وهارون ثم تقدّموا مصطفّين منظّمين (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ) فاز اليوم (مَنِ اسْتَعْلى) من كان فعله غالبا متفوّقا.