٣٨ و ٣٩ ـ (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى) يوم ألهمناها ما كان فيه نجاتك حين ولدتك فخلّصناك من القتل (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) ضعيه بلا تباطؤ في الصندوق المستطيل المصنوع من سعف النخل ، (فَاقْذِفِيهِ) أي التابوت بمن فيه (فِي الْيَمِ) في البحر. (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) أي أن موج البحر يقذف ذلك التابوت على الشاطئ فلا يغرق ولا يصيبه مكروه. (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) أي فرعون حيث كان عدوا لله ورسله وعدوا لموسى خاصة لمعرفته بأن زوال ملكه إنما يكون على يديه. (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) أي جعلت في جميع القلوب محبة لك بحيث يحبك كل من يراك حتى أن امرأة عدوّك آسية ، وعدوّك فرعون ، قد أحبّاك وتبنّياك وربّياك في حجرهما (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) أي لتربّى وأنا راعيك وحافظك.
٤٠ ـ (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ ...) وذلك حين كانت شقيقتك تستقصي أخبارك فرأتهم يطلبون لك مرضعة فتقول لهم : هل أرشدكم إلى مرضعه وأهل بيت يهتمّون به ويتعهدون راحته وحفظه؟ بعد أن رفض ثدي أية مرضعة غيرها (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) فرددناك سالما محفوظا إلى أمّك إقرارا لعينها وإثلاجا لصدرها ، ولئلا تحزن لفراقك (وَقَتَلْتَ نَفْساً) وهو القبطيّ الكافر (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) خلّصناك من القتل وغمّه وامنّاك من الخوف (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) أي اختبرناك اختبارات متعددة وأوقعناك في الفتن حتى خلصت للاصطفاء بالرسالة. (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) أي بقيت عشر سنين في بلدة مدين راعيا لشعيب (ثُمَّ جِئْتَ) حضرت الآن (عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) أي في زمان مقدّر أن تتلقى فيه الوحي وتكون نبيا.
٤١ و ٤٢ ـ (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ، اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ ...) أي اخترتك لرسالتي ووحيي فامض للأمر أنت وأخوك هارون (بِآياتِي) معجزاتي التّسع (وَلا تَنِيا) أي لا تفترا وتضعفا (فِي ذِكْرِي) تبليغ رسالتي والدعوة إليّ.
٤٣ و ٤٤ ـ (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ ...) تقدم هذا الأمر الإلهي وكان هناك خاصا بموسى وهنا أشرك فيه هارون. (إِنَّهُ طَغى) تكبّر وتجبّر (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) أي ارفقا به في الدعوة ولا تغلظا له. وقيل : قولا لا يحبّه ولا يكرهه ، بحيث يظنّ أنه يؤثّر فيه ، (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) المراد بيان الغرض من بعثتهما وهو أن يتذكر فرعون ما أغفل عنه من ربوبية الله وعبودية نفسه ويخشى العقاب والوعيد. وقيل : بأن التعبير بلعل هنا المقصود فيه : ادعواه على الرجاء والطمع لا على اليأس من فلاحه فالرسل إنما يبعثون وهم يرجون ويطمعون أن يقبل منهم.
٤٥ ـ (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا ...) أي نخشى أن يعجل علينا فيأخذنا ويعاقبنا فلا نقدر على إتمام الدعوة وإظهار المعجزة. (أَوْ أَنْ يَطْغى) يتكبّر ويتجبّر.
٤٦ ـ (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) : لا ينبغي أن تخافا فرعون ، وأنا معكما أتولّى حفظكما من بطشه اسمع ما تقولان وما يقول فألهمكما الجواب السديد وأرى ما يحدث بينكما وبينه. فلن يصل كيده إليكما.
٤٧ ـ (فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ ...) فاذهبا إليه ، وقولا له : إننا مرسلان من قبل خالقك (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) دعهم من أسرهم واتركهم لنا لنرحل بهم عن بلادك (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) بالأعمال الشاقة وقتل الرجال واستعباد النساء ، (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ) أتيناك بمعجزة دالّة على صدق رسالتنا هي (مِنْ رَبِّكَ) إذ لا يستطيع البشر أن يصنع مثلها ، (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) أي أن من آمن سلم من عذاب الله.
٤٨ ـ (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) : أي فقولا لفرعون إن ربّنا قد أوحى إلينا أن نقول لك : إن من رفض دعوة ربّه بتكذيب رسله فإن العذاب الأليم يقع عليه من الله انتقاما لدينه.
٤٩ ـ (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى؟) : أي قال فرعون في مقام الجواب من ربك ورب أخيك يا موسى؟ وخصّ موسى (ع) وحده بالنداء لأنه هو الذي دعاه ، وهارون (ع) إنما هو وزيره وتابعه.
٥٠ ـ (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) : قال موسى : ربنا هو الذي أعطى كل شيء صورته التي قدّرها له ثم هداه إلى مأكله ومشربه ومنكحه وغير ذلك. بل يشمل جواب موسى كل مخلوقات الكون من الحيوان والنبات والجماد.
٥١ ـ (قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى؟) : أي قال فرعون : ما حال الأمم السابقة من حيث العبادة ، إذ عبدت غير ما تدعوان إليه.