٧٧ ـ (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا ...) هذا إخبار بقصة الكافر العاص بن وائل حين طالبه الخبّاب بن الأرتّ بدين كان له عليه و (قالَ) أي العاص. ألستم تزعمون البعث بعد الموت؟ قال : نعم. فقال مستهزئا : أحلف بإلهك أنني يوم القيامة (لَأُوتَيَنَ) لأعطينّ (مالاً وَوَلَداً) فأعطيك هناك بأزيد ممّا تطلبني هنا إذا بعثنا.
٧٨ و ٧٩ ـ (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) : ومعناه : أعلم الغيب حتى يعرف أنه لو بعث رزق مالا وولدا ، أم هل بيده عهدا من الله تعالى بذلك؟ (كَلَّا) هذه كلمة ردع وتنبيه إلى أنه مخطئ فيما تصوّره لنفسه ، (سَنَكْتُبُ) نسجّل عليه (ما يَقُولُ) من الخطل (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) ونطيل زمن عذابه فنخلّده فيه تخليدا.
٨٠ ـ (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) : أي أننا نرث قوله من بعد أن نهلكه ، (وَيَأْتِينا) يجيء إلينا يوم القيامة (فَرْداً) وحده لا يصحبه مال ولا ولد ولا ناصر.
٨١ ـ (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) : أي جعل هؤلاء الكافرون لأنفسهم أربابا من دون الله تعالى وادّعوا أن هذه الأرباب تقرّبهم من الله زلفى ، وهي تعزّهم وتكرّمهم بين يديه سبحانه.
٨٢ ـ (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) : لا ، فإنهم يوم القيامة سينكرون أنهم كانوا يعبدون تلك الأصنام وتكون هي ضدّهم لأنها تتبرّأ من شركهم بالله.
٨٣ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ ...) أي : ألا ترى يا محمد كيف بعثنا الشياطين وخلّينا بينها وبين الكافرين فوسوست إليهم ودعتهم إلى الضلال وهي (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) تحثّهم على المعاصي بالتسويلات والإغراءات؟
٨٤ ـ (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) : لا تستعجل يا محمد بهلاكهم لتستريح من شرورهم ، فإنهم لم يبق لهم إلّا أنفاس معدودة ونحن نحصيها عليهم إحصاء ونأخذهم بأعمالهم الشريرة المعدودة عليهم أيضا.
٨٥ و ٨٦ ـ (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ ...) يعني يوم القيامة حين يجمع الله المؤمنين به في دار كرامته ومحلّ قدسه. (وَفْداً) أي جماعة وافدين واردين. (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ) نحثّهم على السير إليها كما تساق البهائم وندفعهم إلى النار دفعا ويأتونها (وِرْداً) واردين إليها عطاشا كالإبل التي ترد الماء.
٨٧ ـ (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) : أي : يومئذ لا تكون الشفاعة ملك أحد إلّا من وعده الرّحمان بذلك وعهد إليه أن يأذن بشفاعته ، كالأنبياء والأوصياء.
٨٨ ـ (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) : هذه حكاية قول اليهود والنصارى ومشركي العرب أيضا.
٨٩ و ٩٠ و ٩١ و ٩٢ ـ (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا ...) أي أنكم أيها المدّعون لله ولدا قد أتيتم بشيء منكر شنيع ، (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) أي لو تشقّقت السّماوات لشيء عظيم لكانت تشققت لهذه الفرية (وَتَنْشَقُ) تتفطّر أيضا (الْأَرْضُ) منها (وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) تنهدم وتتساقط في السفوح وينقلب أعلاها على أسفلها. (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) حيث جعلوه كائنا ذا أولاد. (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) ولا يليق بحضرته وقدسه وتعاليه عن الشبيه والمثل ، أن يكون له ولد لا بكيفيّة التجانس ، ولا بالتبنّي ، لأنه إمّا أنه مستلزم للمحال أو للتجسيم الذي هو محال أيضا.
٩٣ و ٩٤ و ٩٥ ـ (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً ...) فإنّ كل كائن عاقل في السّماوات أو في الأرض هو عبد داخر لله عزوجل ، ويأتي يوم القيامة خاضعا لربوبيّته مذعنا لحكمه (لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا) حسبهم وعرف عددهم بأشخاصهم وأفعالهم وأقوالهم بل وأنفاسهم وأعيانهم واحدا واحدا. (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) أي كل واحد منهم يجيئه يوم القيامة بمفرده لا مال له ولا ولد ولا عشيرة ولا ينفعه إلا عمله.