٢١ ـ (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ ...) أي كما أنمناهم وبعثناهم أطلعنا عليهم أهل مصرهم (لِيَعْلَمُوا) بعد اطّلاعهم على حالهم (أَنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث (حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ) لآتية (لا رَيْبَ فِيها) لا شك فيها. وفي الحديث : كما تنامون تستيقظون وكما تموتون تبعثون ، النوم أخ الموت. (إِذْ يَتَنازَعُونَ) يعني أثرنا عليهم حين كانوا يتنازعون (بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) أي أمر الفتية فقد قيل ماتوا ، وقيل ناموا (فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) كالمقابر حتى يخفوا عن أعين الناس الكفرة. (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) أي لم تقولون ما لا تعلمون؟ نحن العالمون أنّهم نائمون أم ميّتون. (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) إلخ أي الملك المؤمن وأعوانه الذين غلبوا على أمر الناس وحكموهم أمروا ببناء مسجد يصلّي فيه المسلمون ويكون ذكرى وعبرة لمنكري البعث والحشر.
٢٢ ـ (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ ...) أي أهل المدينة وملكهم أو المراد بالمتنازعين في العدد ، وهم أهل الكتاب والمؤمنون في عهد نبيّنا (ص) فكما اختلفوا في مدة لبثهم في الغار كذلك اختلفوا في عددهم ، فمن قائل : هم ثلاثة ، ومن قائل هم خمسة ، إلى قائل : هم سبعة (رَجْماً بِالْغَيْبِ) إلخ أي يقولون قولا من حيث لا علم لهم بالغيب ولا معرفة لهم بعددهم. بل قل يا محمد بأن الله أعلم بعددهم (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) وهم النبيّ وأوصياؤه ومن تعلّم منهم. (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً) أي لا تجادل في أمر الفتية إلّا أن تتلو عليهم ما أوحي إليك بلا تعنيف ودون أن تتعمّق فيه (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) أي لا تسأل في شأن الفتية من أهل الكتاب أحدا.
٢٣ و ٢٤ ـ (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً ...) إلخ أي لا تصدر إلّا عن مشيئة الله تعالى ، وإلّا متلبّسا بها ، قائلا : إن شاء الله. قال الأخفش : فيه إضمار القول ، وتقديره : إلا أن تقول إن شاء الله والنهي في الآية تنزيهي لا تحريمي ، بل هو إرشاد إلى أمر مطلوب وهو خروج قولك بهذا الاستثناء عن الكذب إذا قلت شيئا بنحو قاطع وجازم ، فلا يلزم كذب إذا حلفت ولم تفعل. (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) أي إذا نسيت الاستثناء والتّقييد فاستثن متى ذكرت أنّك لم تستثن ولم تقيّد كلامك ، فقل : إن شاء الله. وعن أمير المؤمنين (ع): الاستثناء في اليمين متى ما ذكرت وإن كان بعد أربعين صباحا. (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي) إلخ أي أرجو من ربّي أن يلهمني ويعطيني ما هو أقرب وأوضح دلالة على نبوّتي من قصة أصحاب الكهف.
٢٥ ـ (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ...) أي ثلاثمائة سنة وتسع سنين نياما.
٢٦ ـ (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا ...) أي أعرف من الذين اختلفوا فيه من أهل الكتاب ، فلا بدّ من أن يؤخذ بما أخبر به الله وأن يترك قول أهل الكتاب. (لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي علم الغيب مختصّ به تعالى (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) أي بالله تعالى وهي صيغة تعجّب أي ما أبصره بكل موجود وما أسمعه لكل مسموع (ما لَهُمْ) أي لأهل السّماوات والأرض (مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ) يتولّى مصالحهم ويفوّضون أمرهم إليه (وَلا يُشْرِكُ) لا يشارك الله (فِي حُكْمِهِ) قضائه وسلطانه (أَحَداً) من مخلوقاته المفتقرة إليه.
٢٧ ـ (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ ...) أي اقرأ على الناس ما ننزله عليك من الوحي المكتوب في القرآن (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) لا مغيّر لما أخبر به فيه وما أمر به (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) ملجأ.