٨ ـ (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ...) أي بعد المرة الثانية ، إن تبتم (وَإِنْ عُدْتُمْ) إلى الإفساد مرة أخرى (عُدْنا) مرة ثالثة إلى عقوبتكم ، (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) أي فصارت جهنّم لهم سجنا ومحبسا في الآخرة بعد أن عادوا إلى إفسادهم بتكذيبهم رسول الله (ص).
٩ ـ (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ...) تأكيد لكون القرآن متصفا بالهداية والإرشاد للطريقة التي هي أقوم الطّرق وأشدّها استقامة. وعن الإمام الصادق (ع): يهدي إلى الإمام ، مستدلا بهذه الآية. وقيل : معناه أنه يرشد إلى الكلمة التي هي أعدل وأقوم الكلمات وهي كلمة التوحيد. (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ) إلخ. بالفوز العظيم ، وبالأجر الكثير.
١٠ ـ (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ...) أي الكافرين بالبعث والنشور والحساب (أَعْتَدْنا لَهُمْ) هيّأنا لهم (عَذاباً أَلِيماً) شديدا موجعا في نار جهنم.
١١ ـ (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ ...) قيل في معناه أقوال أحدها أن الإنسان ربما يدعو في حال الزجر والغضب على نفسه وأهله وماله بما لا يحب أن يستجاب له فيه ، كما يدعو لنفسه بالخير. فلو أجاب الله دعاءه لأهلكه ، لكنه لا يستجيب بفضله ورحمته. (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) يعجل بالدعاء في الشر عجلته بالدعاء في الخير من دون نظر في عاقبته.
١٢ ـ (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ ...) أي علامتين دالّتين على قدرتنا وعلمنا (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) أي القمر ، طمسنا نورها (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ) أي الشمس (مُبْصِرَةً) مضيئة (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) بيّناه تبيينا.
١٣ ـ ١٤ ـ (وَكُلَّ إِنسانٍ ...) الإنسان أعمّ من الذكر والأنثى ، وهو مشتق من الانس ، أو من النسيان ، حذفت الياء تخفيفا. (أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) أي أن عمله ملازم له لزوم القلادة للعنق فلا يفارقه. وإنما عبّر عن العمل بالطائر إما من الطّيرة ، حيث جرت عادة العرب على أن يتشاءموا أو يتفاءلوا بالطائر عند إرساله ومروره يسارا أو يمينا. أو لأنه يقال ليوم القيامة ومن أسمائه يوم تطاير الكتب ، التي تكون أعمال البشر مكتوبة فيها ، حيث تنزل على رؤوس البشر في ذلك اليوم كالطيور المنتشرة في الجو قبل وقوعها في أيدي أصحابها إما بأيمانهم أو بشمائلهم. (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) أي عند المحاسبة يرى صحيفة مفتوحة عليه ليقرأها فيقال (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) أي اقرأه في نفسك حتى تعلم ما فيه من أعمالك فتكون أنت محاسبا لنفسك.
١٥ ـ (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ...) فإنه ينفعها بذلك دون غيرها من النفوس (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) إذ يكون سوء ضلالة خاصا بنفسه أيضا دون غيرها (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) فكلّ نفس تحمل وزر أخطائها وذنوبها ولا يحمل عنها أحد شيئا ولا يعاقب أحد بذنوب غيره. (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) يبيّن الحجج ويمهّد الشرائع ويهدي الناس فتلزمهم الحجة.
١٦ ـ (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً ...) أي إذا أردنا تدمير قرية بسبب معاصي أهلها وكفرهم (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) أغنياءها المتنعّمين فيها. وقرئ : أمّرنا بالتشديد وفسّر بالتكبير والتسليط. أمرناهم بالطاغوت (فَفَسَقُوا فِيها) فجروا وارتكبوا المعاصي (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) أي فوجب عليها الوعيد (فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) أهلكناها إهلاكا.
١٧ ـ (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ ...) أي كثيرا ما دمّرنا من الأمم بعد تدمير قوم نوح بالطوفان ، (وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) أي : كفى ربّك سبحانه أن يكون عالما بذنوب عباده بصيرا بما هم عليه من طاعة أو عصيان.