٢٩ ـ (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً ...) قال نوح (ع) لقومه : إنني لا أطلب منكم مالا كأجر على دعوتي لكم إلى الله فتمتنعوا عن إجابتي خوفا من دفعه. (إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) ليس ثوابي في تحمّل أعباء الدعوة إلّا على الله وحده (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) لست بمبعدهم عني (إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) أي سيقفون بين يديه يوم الحساب ويشكون إليه من طردهم (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) أي لا تعرفون الحق ، فإن الناس يتفاضلون بالدّين لا بالدنيا وبهذا المقياس فهؤلاء الفقراء أفضل منكم فلما ذا أطردهم.
٣٠ ـ (وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ ...) أي من يجيرني من عذاب الله (إِنْ طَرَدْتُهُمْ) أبعدتهم عني وخاصموني عند الله يوم القيامة. (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي : أفلا تتفكرون فتدركوا حقيقة ما أقول.
٣١ ـ (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ ...) أي لا أتعالى وأرفع نفسي فوق قدرها فأدعي إنني أملك خزائن الله وأتصرف فيها كيفما أشاء (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) لا أدّعيه حتى اطّلع على مكنونات صدوركم ومآل أموركم (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) أي أنني لست من غير البشر لأخبركم بما ينزل من السماء من عند نفسي ، (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) أي لا أقول لمن تحتقرونهم من المؤمنين (لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) أي لن يعطيهم في مستقبل حياتهم خيرا وثوابا على ما يعملون (اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ) لأنه مطّلع على ما في القلوب (إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) لهم ، لو طردتهم تكذيبا لظاهر إيمانهم مع إني لا أعلم غيره.
٣٢ ـ (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا ...) أي أن قوم نوح (ع) قالوا له قد حاججتنا (فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا) فزدت في الحجاج (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) جئنا بالعذاب الذي وعدتنا به (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) بقولك أن ربّك يعذّبنا بكفرنا.
٣٣ ـ (قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ ...) أي : قال نوح : إن العذاب رهن بإرادة الله تعالى ، فإن شاء قدّمه وإن شاء أخّره (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي لا تفلتون من قبضته.
٣٤ ـ (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي ...) أي لا يفيدكم ما أقدّمه إليكم من النّصح (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) إذا شاء الله أن يحرمكم من رحمته ويعاقبكم على الكفر. (هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فالله تعالى هو خالقكم ومالككم وإلى حكمه يصير أمركم.
٣٥ ـ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ ...) أي أنك يا محمد حين تروي قصة نوح (ع) مع قومه لكفار مكة : هل يقولون افتريت هذا النبأ من عندك؟ (قُلْ) لهؤلاء المكابرين : (إِنِ افْتَرَيْتُهُ) إذا كنت قد كذبته وجئت به من عند نفسي (فَعَلَيَّ إِجْرامِي) فأنا أتحمّل عقوبة جرمي (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) وأنا لا أتحمل وزر إجرامكم.
٣٦ ـ (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ ...) أي أعلمه الله تعالى أنه لن يصدّقك في دعوتك أحد من قومك في المستقبل ، (فَلا تَبْتَئِسْ) فلا تغتم بسبب ما كانوا يفعلون من العناد والمعاصي.
٣٧ ـ (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا ...) أي اعمل السفينة التي قدّرنا أن تركبها أنت مع المؤمنين بك بمرأى منا وعلى ما أوحينا إليك من صفتها وتجهيزها. (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) أي لا تسألني العفو عن الكافرين من قومك فإنهم سيهلكون بالطوفان.