٦ ـ (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ ...) أي ليس من حي يمشي على وجه الأرض (إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) فهو سبحانه متكفّل لها بالرزق الخاص بها (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها) ويعرف مكان قرارها فيما بين الأصلاب والأرحام وفيما بعد
ذلك (وَمُسْتَوْدَعَها) حيث تموت وتبعث منه (كُلٌّ فِي كِتابٍ
مُبِينٍ) أي كل هذه التفصيلات بشأن كل مخلوق وكائن ، مكتوب ومسجّل
في كتاب ظاهر هو اللّوح المحفوظ.
٧ ـ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ ...) أي أن الله هو منشئ السماوات والأرض وخالقهن بقدرته (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) وهذا إخبار منه سبحانه بإنشائهما في هذه المدة مع أنه يقدر
على إيجادهما بمثل لمح البصر ، ولكنه أجرى ذلك مجرى الحكمة في الترتيب والتدبير. (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) أي كان مكان منطلق سلطانه وقدرته على الماء ، وهذا يدل على
وجود الماء والعرش قبل السماوات والأرض كما تشير آيات كثيرة. (لِيَبْلُوَكُمْ) ليختبركم (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ
عَمَلاً) أي أنه سبحانه خلق ودبّر ليظهر إحسان المحسن ، لأنه تعالى
عن أن يجازي الناس بحسب معلومه ومن غير اختبار وابتلاء (وَلَئِنْ) أي : والله إذا (قُلْتَ) لهم يا محمد : (إِنَّكُمْ
مَبْعُوثُونَ) معادون أحياء (مِنْ بَعْدِ
الْمَوْتِ) للحساب (لَيَقُولَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا) فسيقول الكافرون مؤكّدا : (إِنْ هذا) ما هذا القول (إِلَّا سِحْرٌ
مُبِينٌ) أي ليس سوى تمويه ظاهر لما لا حقيقة له في الواقع.
٨ ـ (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ
...) أي : إذا أجّلنا عذاب الهلاك عن هؤلاء الكفار (إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) أي إلى أجل وحين محسوب (لَيَقُولُنَ) أي من المؤكّد قولهم على وجه الاستهزاء : (ما يَحْبِسُهُ) أي ما يمنع ذلك العذاب عنّا إن كان حقّا؟ (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) إنّه حين يجيئهم (لَيْسَ مَصْرُوفاً
عَنْهُمْ) يكون من غير الممكن تحويله عنهم (وَحاقَ بِهِمْ) نزل بهم (ما كانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِؤُنَ) أي العذاب الذي كانوا يسخرون منه.
٩ ـ (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا
رَحْمَةً ...) أي : إذا رحمنا الإنسان وأنزلنا عليه النّعم (ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ) أي سلبنا تلك الرحمة منه (إِنَّهُ) أي الإنسان (لَيَؤُسٌ) قنوط (كَفُورٌ) لأن من عادته الكفر بنعمة ربّه.
١٠ ـ (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ
ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ ...) أي إذا أعطينا الإنسان نعمة جزيلة بعد بلاء شديد أصابه (لَيَقُولَنَ) يقول بكل تأكيد : (ذَهَبَ السَّيِّئاتُ
عَنِّي) أي راح ما يسوؤني من الآلام والفقر وغيرهما ناسيا الله
سبحانه ووجوب شكره (إِنَّهُ) لقلّة تفكّره بشكر المنعم حين زوال الضرّ (لَفَرِحٌ) مسرور (فَخُورٌ) يتيه فخرا بين الناس لما أصابه من فضل وهو غير شاكر لذهاب
الضرّ ومجيء العافية.
١١ ـ (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ ...) استثنى سبحانه ممن جحده (الَّذِينَ صَبَرُوا) قابلوا الضرّ بالصبر والنعمة بالشكر (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فعلوا الطاعات وداوموا عليها (أُولئِكَ لَهُمْ
مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) ثواب عظيم هو الجنّة بعد التجاوز عن ذنوبهم.
١٢ ـ (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى
إِلَيْكَ ...) أي عساك يا محمد عند ما تتلو القرآن على مسمع من الكفار
تترك بعض ما فيه من التشنيع على آلهتهم دفعا لأذاهم (وَضائِقٌ بِهِ
صَدْرُكَ) أي تبدو متضايقا من تكذيبهم أو من اقتراحاتهم عليك (أَنْ يَقُولُوا) أي مخافة أن يقولوا (لَوْ لا أُنْزِلَ
عَلَيْهِ كَنْزٌ) يا ليت لو نزل عليه كنز من المال (أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) يصدّقه ويشهد له (إِنَّما أَنْتَ
نَذِيرٌ) أي منذر مخوف من عذاب الله (وَاللهُ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي أنه حفيظ على كل شيء يقدر على النفع ودفع الضرر.