٨٣ ـ (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ...) أي إذا وعوا بكامل سمعهم ما أنزله الله من آيات القرآن وبيّناته (تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) أي يبكون بدمع غزير (مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِ) أي من أجل أنهم توصّلوا إلى معرفة الحق (يَقُولُونَ) مختارين (رَبَّنا آمَنَّا) أي صدّقنا برسولك وكتابك الذي يشتمل على دينك (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) أي : سجّلنا مع من شهدوا بنبوّته.
٨٤ ـ (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ ...) جواب لمن قال لهم من قومهم تعنيفا : لم آمنتم؟ أي : لأي عذر لا نؤمن بالله وما أتانا به محمد (ص) من الإسلام قوله تعالى : وما ، استفهام إنكاري ، أي أنها انكار لعدم الإيمان مع وجود موجبه وهو يدل على شدة رغبتهم ومزيد ميلهم للدخول فيما دخل فيه المؤمنون (وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) فإن طمعهم يفسّر رغبتهم الشديدة بأن يكونوا في صف صالحي العباد.
٨٥ ـ (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا ...) فكتب لهم سبحانه ثواب خلوص نيّاتهم في توحيدهم وامتثالهم لأمر رسوله ، وما وعد به الصالحين ، إذ أعدّ لهم (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) يدخلونها بإيمانهم الصادق ، ويكونون (خالِدِينَ فِيها) إلى أبد الأبد ، (وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) من عباده الموحّدين المخلصين في القول والعمل.
٨٦ ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا ...) قد ذكر سبحانه حال المصدّقين في الآيات السابقة ، ثم عقّبها بذكر حال المكذبين الذين أصرّوا على الكفر فقال عنهم : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) أي سكان النار الموقدة المسعّرة التي أعدت للكافرين.
٨٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ...) أي لا تكفّوا أنفسكم عن المستلذّات التي جعلها الله حلالا لكم (وَلا تَعْتَدُوا) تتجاوزوا حدود الله من الحلال والحرام فتستصوبوا ما شئتم حسب تقديراتكم. (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) بل يكره من يتعدى حدود ما أنزله على عباده.
٨٨ ـ (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً ...) أي كلوا أكلا طاهرا مستلذا (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) أي اعملوا بأوامره ونواهيه لأنكم مؤمنون به.
٨٩ ـ (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ...) اللغو في الأيمان هو ما يقوله الناس كثيرا في محادثاتهم «بلا والله ، وبلى والله ، وبظنّ وقوع الأمر كذلك. فالله تعالى ـ رحمة منه ـ لا يؤاخذ عباده على تلك الأيمان اللاغية التي يستعملونها في كلامهم ومحادثاتهم ، ويقول لهم (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) أي أنه يحاسبكم على الأيمان المقصودة الصادرة عن عقد القلب والنيّة بجزم تام. (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) أي أن تطعموا هؤلاء العشرة المساكين ممّا تأكلونه في بيوتكم عادة لا من رديئه. وعن الصادق (ع) أن الوسط هو الخل والزيتون ، وأرفعه الخبز واللحم. (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) أي إعطاؤهم اللباس الوسط مما تلبسون. (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أي عتق عبد أو أمة أو مولود منهما (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) أي أن الذي لا يقدر على الإطعام ولا على الكسوة ولا على العتق ، يصوم ثلاثة أيام. (ذلِكَ) أي ما ذكره سبحانه (كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) يعني : إذا حلفتم وحنثتم ، (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) أي لا تبتذلوا فيها ، (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) يوضح معالم دينه (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) بأمل أن تحمدوه وتكونوا من الشاكرين.