٧١ ـ (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ ...) أي أنهم ظنّوا أنه لا يصيبهم من الله بلاء اختباريّ وعذاب في الدنيا والآخرة بتكذيب رسلهم وقتلهم (فَعَمُوا) أصابهم العمى عن محجّة الحق (وَصَمُّوا) ضرب على سمعهم فلم يستمعوا إلى حجة (ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ) أي تجاوز عنهم لمّا تابوا (ثُمَّ عَمُوا) عن الدين (وَصَمُّوا) مرة أخرى (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) أي أكثرهم. (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) يرى أعمالهم ويؤاخذهم بها. وعن الصادق (ع): وحسبوا ألّا تكون فتنة ، قال : حيث كان النبي (ص) بين أظهرهم ، فعموا وصمّوا حتى قبض (ص) ثم تاب عليهم حيث قام أمير المؤمنين (ع) ثم عموا وصمّوا إلى الساعة.
٧٢ ـ (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ...) في هذه الآية الشريفة احتج الله سبحانه على النصارى الذين كفروا بقولهم : إن الله هو عيسى (ابْنُ مَرْيَمَ) عليهماالسلام بذاته ، كاليعاقبة وسائر القائلين بالثالوث والاتحاد. وذلك لأنه (ع) لم يأمرهم بذلك ، بل قال : (وَقالَ الْمَسِيحُ) لهم : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) فلم يفرّق بينهم وبين نفسه في أنه عبد مربوب مثلهم ، (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) أي يمنعه منها لأنها دار الموحّدين (وَمَأْواهُ النَّارُ) التي هي دار الكافرين والمشركين (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) أي ليس لهم من أحد يخلّصهم من عذاب الله.
٧٣ ـ (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ...) وهؤلاء طائفتان من النصارى يسمّون بالنسطورية والملكانية ، يقولون بأن الله أحد ثلاثة يتكوّن من الثالوث ، أو من الله وعيسى ومريم. (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) أي ليس في عالم الوجود إلا ذات واجب الوجود الذي يستحق العبادة وهو سبحانه متعال بذاته عن قبول الشركة. (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ) به من الشّرك (لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي عذاب موجع شديد.
٧٤ ـ (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ...) أي : ألا يتركون تلك العقائد الزائفة بلا رجعة ثم يطلبون العفو من الله عمّا مضى منهم؟ (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) مر معناه.
٧٥ ـ (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ ...) يعني ليس عيسى بن مريم سوى نبيّ مرسل (قَدْ خَلَتْ) أي مضت (مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) فهو (ع) من جنس الأنبياء المبعوثين قبله لهداية البشر وإرشادهم إليه سبحانه ، (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) من أعظم المصدّقين بالله والقانتين العابدين المتبتلين له ، (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) كبقية الناس لأنهما محتاجان إلى الأكل والشرب كبقية ذوي الأجسام القابلة للتغذية ، وهذا يعني بكناية لطيفة للغاية أنهما يحتاجان لتخلية البطن من ثقل فضلات الطعام ومضطران للتغوط ، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ) أي نوضح لهم العلامات ونظهرها ، (ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) وانظر وتفكر كيف يقولون الإفك والباطل الأخرق!
٧٦ ـ (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ...) أي قل يا محمد لهؤلاء : كيف تقصدون بعبادتكم (ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) وهو عيسى (ع) فليس بيده أن ينزل المحن ولا أن يهب الصحة والسعة من ذاته (وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالكم (الْعَلِيمُ) بما في ضمائركم.