٦٥ ـ (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا ...) فهؤلاء لو صدّقوا برسالة النبي (ص) وبما جاء به من عند ربّه وأطاعوا الله ولم يعصوه (لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) أي سترنا عنهم ذنوبهم ومحوناها ، وتجاوزنا عنها لأن الإسلام يجبّ ما قبله ، ولأن الإيمان يطهرهم ويؤهلهم للمغفرة. (وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) بعدلنا ورحمتنا.
٦٦ ـ (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ...) أي لو أنهم عملوا بهما وبما فيهما من أحكام (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) من الكتب التي سبقتهم ، ومن كتابيهم ، ومن القرآن العظيم ، (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) يعني : لوسّع الله عليهم الرزق ولأفاضه عليهم من جميع جوانبهم (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) أي معتدلة لم تغال في الكفر والعناد بل بحثت عن الحقيقة فوصلت إلى الإيمان. (وَ) لكن (كَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) أي أن أكثرهم قبح عملهم حيث أقاموا على الكفر والجحود.
٦٧ ـ (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...) خطاب للرسول (ص) بأن يخبر الناس ما أنزل إليه منه. وروي عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وغيرهما أن الله تعالى أمر نبيّه يوم غدير خم أن ينصّب عليّا للناس ويخبرهم بولايته ، فخاف (ص) أن يحمله الناس على محاباة ابن عمه ، وخشي أن يصعب ذلك على جماعة من أصحابه. لكن إنذار ربّه عزّ اسمه خوّفه أكثر إذ قال له : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) فقال عزّ من قائل إن كتمت ذلك كنت كأنك لم تؤدّ من الرسالة شيئا قط (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) أي يحفظك ويمنعهم عنك ويحميك. (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) أي لا يمكّنهم من رسوله الكريم من جرّاء ذلك البلاغ.
٦٨ ـ (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ ...) أي لستم على الطريقة الشرعية التي سنّها الله (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) فالله لا يعتبركم متمسكين بشيء من أوامره إذا لم تعملوا بما فيهما من تعاليم (وَ) بجميع (ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) من الكتب السماوية ، ومن البشارة بمحمد (ص) (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) مر معناه. (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) أي لا تتأسف عليهم ولا تحزن.
٦٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى ...) يؤكد سبحانه أن جميع هؤلاء المذكورين (مَنْ آمَنَ) منهم (بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فكان موحّدا مؤمنا بالبعث والنشور للحساب (وَعَمِلَ صالِحاً) وهذا شرط ثالث هام ، لأن الثواب يكون أجرا للعمل (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) في الآخرة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) إذ تشملهم النجاة من غضب الله وتنالهم الرحمة ... وقد مرّ بيان ذلك في سورة البقرة. والصابئون قال عنهم الإمام الصادق (ع): سمّي الصابئون لأنهم صبأوا ـ أي مالوا وذهبوا ـ إلى تعطيل سنن الأنبياء والرسل والشرائع ، وقالوا : كل ما جاؤوا به باطل فهم بلا شريعة ولا كتاب.
٧٠ ـ (لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ ...) أي أخذ الله تعالى عليهم عهدا ـ في كتابهم ـ بالتوحيد وبالبشارة بمحمد (ص) (وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً) ليطلعوهم على الأوامر والنواهي الإلهية. (كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ) من عندنا (بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ) أي بما لا تحبه نفوسهم الخبيثة من التكاليف الإلهية ، فترى (فَرِيقاً كَذَّبُوا) أي كذبوا بعض تلك الرسل (وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) يقتلون بعضهم كفرا وعنادا.