١٠ ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا ...) بعد ذكر وعد المؤمنين بالمغفرة والجنة عقّبه سبحانه بالوعيد للكافرين والذين جحدوا الله ورسوله وكذّبوا بدلائل الله وبراهينه (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) أي أهل نار السعير وأصحابها. فانها معدة لهم وهم فيها ماكثون لأنهم المعدّون لها وهي بانتظارهم.
١١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) يذكّر الله تعالى المؤمنين بنعمة خاصة منّ بها عليهم (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ) أي حاول جماعة (أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) أي أن يبطشوا بكم ، ومعنى بسط اليد هو مدها إلى المبطوش به. وحين أرادوا الفتك بكم رأف سبحانه بكم. (فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) أي منعها وجعلها مكفوفة منقبضة قصيرة عن أن تنالكم بسوء والمقصود محاولة قتل يهود بني النضير لرسول الله (ص) فأخبره جبرائيل (ع) بنيتهم وأنجاه الله منهم. (وَاتَّقُوا اللهَ) مر معناه. (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) لأنه كاف من توكل عليه وهو حسبه.
١٢ ـ (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ ...) أي أنه تعالى عاهد اليهود ، على الوفاء منهم بما أخذ عليهم من عهد. (وَبَعَثْنا) أي أرسلنا (مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) بعدد أسباط بني إسرائيل جعل لكل عشيرة نقيبا هو الذي يفحص عن أحوال جماعته وتكون له الرئاسة عليهم. فالنقيب هو الرئيس ، وقد قيل بأن هؤلاء النقباء كانوا في عصر موسى (ع) وكانت لهم الوزارة في زمنه ثم كانوا أنبياء من بعده ، وقيل أيضا إنهم أوصياء ولكنه قول لا يعتدّ به. والله سبحانه لم يذكر شيئا يكشف عن حقيقة حالهم فالسكوت عما سكت عنه تعالى أولى. (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ) أعينكم عليهم وأنصركم. (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ) يا بني إسرائيل (وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ) أي أعطيتموها (وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي) فصدّقتموهم. (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) أي احترمتموهم. (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) أي بذلتم في سبيل الله من أموالكم بلا منّة ومن غير رياء. بل خالصا لوجهه سبحانه وهذا هو القرض الحسن. (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) فأعفو عن ذنوبكم (وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) واضح المعنى (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ) أي بعد الميثاق (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) يعني ضاع عن طريق الهداية.
١٣ ـ (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ ...) أي ابعدنا اليهود عن رحمتنا بإخلافهم لذلك العهد الذي أخذناه منهم بأن مسخناهم وعذبناهم بصنوف العذاب. وما زائدة (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) أي يابسة غليظة فلم ندخل فيها من رحمتنا لتلين ، فتحجرت ، ومنهم من قرأها : قسيّة ، مبالغة في قساوتها ورداءتها ، بحيث صاروا : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) أي يزوّرون الأحكام ويغيّرون الأوامر والنواهي وما يجيء من عند الله. وهذا منتهى الذم لهم. (وَنَسُوا حَظًّا) أي تركوا نصيبا وافرا (مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) ونهتهم أو أمرتهم به التوراة كوجوب اتّباع محمد (ص) (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) أي لا يزال ينكشف لك ـ يا محمد ـ خيانة جماعة منهم اتخذوا الخيانة دأبا ودينا لهم. (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) لا يكونوا خائنين ، بل آمنوا به (ص) واتبعوه ، وهم الذين أوصاه (ص) بالكف عنهم ورعايتهم ليثبتوا على الإيمان فقال له : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) أي تجاوز عن بعض سقطاتهم ، وتسامح عما يبدو منهم (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) لأنه محسن غاية الإحسان.