٦ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ...) أي هذه الآية الكريمة يبيّن الله سبحانه كيفية كلّ من الوضوء والتيمم وموردهما ، ويعلّم كيفية كل واحد منهما فعلا فعلا فيقول عز اسمه : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) وحدّ غسل الوجه من قصاص الشّعر إلى آخر الذقن طولا ، وما دارت عليه الوسطى والإبهام عرضا فاغسلوه بإراقة الماء عليه من يدكم اليمنى وتكرير الغسل إلى أن تصل المياه إلى كل جزء منه. (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) فاغسلوها ، من آخر المرافق ، أي ما يرتفق عليه أي يتكأ ، إلى أطراف الأصابع من دون نكس وهذا هو مذهب أهل البيت (ع) ، بحيث لا يبقى جزء في هذا الحد إلّا وقد وصله ماء الوضوء. (وَ) بعد ذلك الغسل (امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) الكعب هو العظم النابت في القدم عند معقد الشراك والمعنى : امسحوا بعض رؤوسكم وبعض أرجلكم من أطراف الأصابع إلى الكعب من كل رجل. (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) بالاغتسال وهو أن تغسلوا جميع البدن استعدادا للصلاة وقبل مباشرتها. (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) : مر معناه في الآية ٤٣ من سورة النساء (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) أي ما فرض الله عليكم هذه الطهارات ليوقعكم في ضيق وتعب (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) أي يأمركم بتلك الطهارات من أجل تنظيف أبدانكم من الأوساخ وإزالة الخبث عنها وإزالة جميع الأقذار والأدران التي قد تعلق بالأيدي وتفرزها الأجسام. (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) بما ذكر لكم من التشريع في هذه المواضيع (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) تحمدون نعمه.
٧ ـ (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ ...) أي لا تنسوا فضل الله عليكم (وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) هو العهد الذي أخذه عليكم في عالم الذرّ بالإيمان به وبرسوله وتمت المواثقة ، أي التعاهد والتعاقد ، عليه بين يدي ربكم. وقيل بأن المراد بالميثاق بيعة الرضوان وقيل : المراد بها بيعة الحديبية التي هي كسابقتها تجديد عهد له (ص) عليهم ، وتشديد ميثاق على الأخذ بما أمر والعمل بما جاء به. فلا تنسوا : (إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) أي وعينا ما قلت ، ونطيعك فيما تأمر وتنهى. (وَاتَّقُوا اللهَ) مر معناه (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بما فيها من أسرار وبما يختلج فيها من أفكار.
٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ ...) أي اجعلوا قيامكم وانبعاثكم إلى العمل لله ، يعني خالصا له تعالى ومحضا لما يرضيه. ولفظة : قوّامين ، تدل على المبالغة ، فينبغي لكم أن تكونوا شديدي القيام والمسارعة للأمور التي يطلبها سبحانه منكم. (شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) أي بالعدل (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) أي لا يحملنكم بغض الكفار لكم (عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) أي على الجور عليهم (اعْدِلُوا) أي اعملوا بالعدل فالعدل (هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) لاتّقاء ما يغضب الله عزوجل (وَاتَّقُوا اللهَ) تقوى حقيقة قد طلبها سبحانه مكررا حيث (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) : مر معناه.
٩ ـ (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...) وعد الله الذين صدقوا بالله ورسوله وعملوا الطاعات واجبات ومندوبات (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) أي عفو وثواب جزيل ... والجنة. وليعلم أن فعل : وعد ، له مفعولان ، أحدهما : الذين آمنوا. والثاني : لهم مغفرة. وكلاهما منصوبان محلا.