ودائرة التعامل مع أبناء هذه الأمة المسلمة ، ودائرة التعامل مع البشرية كلها ، كما أنها حددت في الوقت نفسه للقيادة جوانب ينبغي أن تلتزمها ، ولا شك أن هذه الدروس دروس ينبغي أن تلتزم وتطبق في كل عصر ، فيأخذ ورّاث النبوة حظّهم من التطبيق ، ويأخذ المؤمنون حظهم من التطبيق في التأدب مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم : مع شخصه ، ومع سنته ، وفي الكلام عنه ، ومع وراثه عليه الصلاة والسلام ، كما يأخذ المؤمنون حظهم من التطبيق في التعامل مع بعضهم بعضا.
إن هذا القرآن الذي دلّ الإنسان على طريق الهدى دلّه من جملة ما دله على الطريق الذي يكون به المسلم هو الإنسان الأعلى في هذا الوجود ، تطلعات وأخلاقا وقيما ومبادىء وأهدافا ، وكما ربّاه على الكمال في الأخلاق الفردية ، ربّاه على الكمال في الأخلاق الجماعية ، بحيث يكون عضوا كاملا في أمة كاملة ، كما ربّى هذه الأمة على الكمال في كل شىء ، وعند ما نجد في عصرنا روح الفردية عند بعض المسلمين عاتية ، وعند ما نرى عجز بعض المسلمين عن التعامل مع بعضهم الآخر ، وعند ما نرى تطلعات المسلم قاصرة وأهدافه غامضة ، وتفاعله مع الإسلام جزئيا ، وعند ما لا نرى المسلمين جميعا أمة واحدة تتحرك حركة واحدة ، وتتجه اتجاها واحدا ، عند ما لا نرى هذا كله ندرك البعد الكبير بين ما كلّفنا به وبين واقعنا.
وقد حاولنا خلال عرضنا للسورة أن نذكر وحدتها ، وأن نذكر صلتها بما قبلها ، وأن نبيّن الروابط التي تربطها مع محورها. وقد يكون من المناسب قبل الانتقال إلى سورة (قاف) أن نعيد إلى الأذهان بعض مظاهر الارتباط ، بين سورة الحجرات وسورة الفتح ، لنبقى متذكرين الصلات الخاصة التي تربط بين سور هذه المجموعة.
إننا لا نبالغ إذا قلنا إن سورة الحجرات قد ذكرت الطريق العملي لتحقيق المعاني الواردة في سورة الفتح ، فقد ورد في سورة الفتح (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) (الآية : ٢٩) وسورة الحجرات توجه المؤمنين في الطريق لتحقيق ذلك ، فتنهاهم عن الغيبة والتجسس ، واللمز والتنابز بالألقاب ، لأن هذه المعاني كلها تتنافى مع التراحم. وسورة الفتح تعرضت لقصة الحديبية التي حدث فيها نوع من الاعتراض الصامت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم لتوقيعه الصلح ، وتأتي سورة