العارض هو السحاب الذي يعرض في أفق السماء (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) قال ابن كثير : أي لما رأوا العذاب مستقبلهم اعتقدوا أنه عارض ممطر ففرحوا واستبشروا به ، وقد كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر. (قالَ) هود على رأي النسفي. (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) من العذاب أي هو العذاب الذي قلتم فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ، ثم فسر العذاب بقوله (رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) (تُدَمِّرُ) أي : تخرّب (كُلَّ شَيْءٍ) من بلادهم مما من شأنه الخراب (بِأَمْرِ رَبِّها) أي : بإذن ربها أي رب الريح (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) أي : قد بادوا كلهم عن آخرهم ولم تبق لهم باقية. (كَذلِكَ) أي : مثل ذلك الجزاء (نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) أي : من أجرم مثل جرمهم. قال ابن كثير : (أي هذا حكمنا فيمن كذّب رسلنا وخالف أمرنا وهو تحذير لكل مجرم.
كلمة في السياق :
جاءت هذه القصة في سياق السورة التي تدعو إلى عبادة الله وحده ، فبينت أن رسول الله ـ هود عليهالسلام ـ دعا إلى عبادة الله وحده ، فليس محمد صلىاللهعليهوسلم ببدع من الرسل ، ولا دعوته ببدع من دعوات الله ، كما جاءت في سياق الكلام عن الفسرق والاستكبار. فأنذرت عاقبة ذلك العذاب العاجل في الدنيا ، وبينت على لسان هود عليهالسلام أن الجهل هو الذي يجرىء الإنسان على ردّ دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، ولما كان قوم محمد عليه الصلاة والسلام يعبدون غير الله ، ويردّون دعوته مع قيام الحجة عليهم ، فقد اتجه الخطاب إليهم ليحذّرهم الله عزوجل أن يصيبهم ما أصاب المجرمين السابقين. (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ) أي : ما (مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) قال ابن كثير : يقول تعالى : (ولقد مكنا الأمم السابقة في الدنيا من الأموال والأولاد ، وأعطيناهم منها ما لم نعطكم مثله ولا قريبا منه) (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) أي : آلات الإدراك والفهم (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) أي : أيّ شىء من الإغناء مهما كان قليلا (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ) أي : ينكرونها وهذا تعليل لإهلاكهم (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) قال ابن كثير : (أي : وأحاط بهم العذاب والنكال الذي كانوا يكذّبون به ، ويستعبدون وقوعه. أي فاحذروا أيها المخاطبون أن تكونوا مثلهم فيصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب في الدنيا والآخرة)