يكون أم بمعنى بل وهمزة الاستفهام فيكون المعنى : بل ثبت عندكم واستقر أني أنا خير من موسى الضعيف العييّ. قال ابن كثير : وعلى كل تقدير فإنما يعني فرعون ـ لعنه الله ـ بذلك أنه خير من موسى عليه الصلاة والسلام ، وقد كذب في قوله كذبا بيّنا واضحا ، وسننقل في الفوائد ما قاله ابن كثير في إبطال كلام فرعون في حق موسى (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) الأسورة : هي ما يجعل في الأيدي من الحلي (أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) يكتنفونه خدمة له ويشهدون بتصديقه قال ابن كثير : (نظر إلى الشكل الظاهر ولم يفهم السر المعنوي الذي هو أظهر مما نظر إليه لو كان يفهم) وقال النسفي : (أراد بإلقاء الأسورة عليه إلقاء مقاليد الملك إليه لأنهم كانوا إذا أرادوا تسويد الرجل سوّروه بسوار وطوّقوه بطوق ذهب).
أقول : هذا الذي قاله النسفي يحتمل ، ويحتمل أنه أراد إنزال الأسورة عليه من باب المعجزات ، وإعطاء الله عزوجل له الغنى والجاه العريض ؛ بدليل اقتراحه إنزال الملائكة يمشون معه مقترنا بعضهم ببعض ليكونوا أعضاده وحاشيته وأنصاره وأعوانه (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ) قال ابن كثير : أي : استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له وقال النسفي : أي : استفزهم بالقول واستنزلهم وعمل فيهم كلامه فأطاعوه (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) أي : خارجين عن دين الله (فَلَمَّا آسَفُونا) أي : أغضبونا وأسخطونا (انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) قال النسفي : ومعناه أنهم أفرطوا في المعاصي فاستوجبوا أن نعجلّ لهم عذابنا وانتقامنا وألّا نحلم عنهم (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً) أي : سالفين لمثل من عمل بعملهم (وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) أي : عبرة لمن بعدهم. قال النسفي : (أي : وحديثا عجيب الشأن سائرا مسير المثل يضرب بهم الأمثال ، ويقال مثلكم مثل قوم فرعون (لِلْآخِرِينَ) لمن يجىء بعدهم ، ومعناه : فجعلناهم قدوة للآخرين من الكفار يقتدون بهم في استحقاق مثل عقابهم ونزوله بهم لإتيانهم بمثل أفعالهم ومثلا يحدثون به).
كلمة في السياق :
١ ـ دلت الآيات أن مضمون دعوة رسل الله السابقين هو التوحيد ، وأرتنا الآيات أنه مع كل الآيات كفر فرعون وقومه. وأنهم بذلك استحقوا العذاب ، وبهذا أدّت الآيات أكثر من خدمة للسياق والمحور ، فكانت نموذجا على مضمون رسالات الله ،