الذين يستأهلون رضوان الله ، وهم الذين يقيمون دين الله ، ولا يتفرّقون فيه.
٤ ـ وإذن فنحن الآن أمام موضوع من أهمّ الموضوعات التي يجب أن يعرفها كل مسلم ، وهو موضوع جماعة المسلمين ، ما هي صفاتها؟ وما هي خصائصها؟ إنّ الله عزوجل يعطينا الميزان الذي نتعرّف به على جماعة المسلمين لنلتزم بها ، ونتحقق بأخلاقياتها. ولقد قدمت السورة لذلك بأمور كثيرة :
(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ).
إنّ الجماعة التي تقيم دين الله ولا تتفرّق فيه هي التي تتحقّق بمواصفات معيّنة ، هي التي تذكرها الفقرة الأولى من المجموعة الثالثة ، وأي صفة من هذه الصفات لا تظهر في الجماعة تجعلها غير مرشحة لإقامة دين الله ، وتجعلها معرّضة للتفرق فيه. إن على المسلمين جميعا أن يكونوا جماعة واحدة وهذا هو الطريق لذلك :
تفسير الفقرة الأولى من المجموعة الثالثة :
(فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) قال ابن كثير : أي : مهما حصلتم وجمعتم فلا تغتروا به فإنّما هو متاع الحياة الدنيا ، وهي دار دنيئة فانية زائلة لا محالة (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى) وثواب الله تعالى خير من الدنيا وهو باق سرمدي ، فلا تقدّموا الفاني على الباقي ، لكن من هم الذين يستأهلون هذا الثواب؟ (لِلَّذِينَ آمَنُوا) بالغيب (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) فلا يتوكّلون على غيره (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) كالشرك وقذف المحصنات والفرار من الزحف ، وغير ذلك من الموبقات (وَالْفَواحِشَ) أي : ما عظم قبحه وفحشه كالزنا واللواط (وَإِذا ما غَضِبُوا) في أمر دنيوي أو شخصي (هُمْ يَغْفِرُونَ) أي : سجيتهم تقتضي الصفح والعفو عن النّاس ، وليس من سجيّتهم الانتقام من الناس إذا أساؤوا لأشخاصهم (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) أي اتّبعوا رسله ، وأطاعوا أمره واجتنبوا زجره ، فأقاموا دينه واجتمعوا عليه (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أي : وأتموا الصلوات الخمس. (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) قال ابن كثير : أي لا يبرمون أمرا حتى يتشاوروا فيه ؛ ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها. وقال النسفي : أي ذو شورى لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه ، وعن الحسن : ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم (وَمِمَّا