الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل» ويكون ذلك لرفع درجاتهم أو لحكم أخرى خفيت علينا ، وأما الأطفال والمجانين فقيل : غير داخلين في الخطاب لأنه للمكلفين وبفرض دخولهم أخرجهم التخصيص بأصحاب الذنوب فما يصيبهم من المصائب فهو لحكم خفية ، وقيل : في مصائب الطفل رفع درجته ودرجة أبويه أو من يشفق عليه بحسن الصبر).
كلمة في السياق :
في وقوع المصائب وفي كونها عقوبة على الذنوب دليل على أنّ الإنسان لا يعجز الله ـ عزوجل ـ ، وفي ذلك دليل على قدرة الله على البعث ، كما أن في خلق السموات والأرض دليلا على ذلك ، وهذا درس في وجوب اتباع دين الله وإقامته خوفا من عقوبته في الدنيا بالمصائب ، وخوفا من عقوبته في الآخرة. وهكذا نجد أن الآيات الثلاث الأخيرة خدمت السياق في أكثر من جانب ، فكانت تعليلا لحبس الرزق وحبس المطر ، وكانت تدليلا على مجىء اليوم الآخر الذي يجازى فيه المنحرفون عن أمر الله ، ويكافأ فيه المقيمون لأمره ، وكانت تحذيرا للمنحرفين عن أمر الله ، سواء أكان انحرافهم كبيرا أو صغيرا. ثمّ بعد هذه الآيات الثلاث تأتي آيات أخرى مبدوءة بقوله تعالى (وَمِنْ آياتِهِ) تذكّر الإنسان بأنه في قبضته ـ عزوجل ـ ، وتدل على كمال قدرته ، وتدل على أن الإنسان لا يعجزه ، وتدل على مظهر من مظاهر عقوبته على الذنب.
ب ـ (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ) أي : السفن الجاريات (فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) أي : كالجبال (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ) أي : سائرات على مهل وكأنّهن ثوابت بالنسبة لإحساس الإنسان (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) على بلائه (شَكُورٍ) لنعمائه. أو صبار على طاعته ، شكور لنعمته. قال النسفي : أي لكل مؤمن مخلص ، فالإيمان نصفان : نصف شكر ، ونصف صبر (أَوْ يُوبِقْهُنَ) أي : يهلكهن. والمعنى : إن يشأ يسكن الريح فيركدن أو يعصفها فيغرقن بعصفها (بِما كَسَبُوا) من الذنوب (وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) من الذنوب فلا يجازي عليها. (وَيَعْلَمَ) أي : لينتقم الله منهم وليعلم (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا) أي : في إبطالها ودفعها (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) أي : مهرب من عذابه ، أي : لا محيد لهم عن بأسنا ونقمتنا ، فإنهم مقهورون بقدرتنا.