تفسير الفقرة الثانية من المجموعة الثانية :
(اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) في إيصال المنافع ، وصرف البلاء ، فهو برّ بليغ البر بهم ، قد وصل برّه إلى جميعهم ، ومن مظاهر لطفه (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) أي : يوسّع رزقه على من يشاء ، إذا علم مصلحته فيه (وَهُوَ الْقَوِيُ) أي : الباهرة القدرة ، الغالب على كل شىء (الْعَزِيزُ) المنيع الذي لا يغلب. قال ابن كثير : أي : لا يعجزه شىء. أقول : ومن لطفه بعباده أن يرسل لهم رسلا ، وأن ينزّل عليهم كتبا ، ومن مظاهر رزقه أن يخصّ بعض عباده بالرسالة. (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) أي : عمل الآخرة (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) بالتوفيق في عمله ، أو التضعيف في إحسانه ، أو بأن ينال به الدنيا والآخرة. قال ابن كثير : أي : نقوّيه ونعينه على ما هو بصدده ، ونكثر نماءه ونجزيه بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا) أي : من كان عمله للدنيا ، ولم يؤمن بالآخرة (نُؤْتِهِ مِنْها) أي : نؤته شيئا منها ، وهو رزقه الذي قسمه له لا ما يريده ويبتغيه. قال ابن كثير : (أي : ومن كان إنما سعيه ليحصل له شىء من الدنيا ، وليس له إلى الآخرة همّ البتة بالكلية حرمه الله الآخرة ، وأما الدنيا إن شاء أعطاه منها ، وإن لم يشأ لم يحصّل لا هذه ولا هذه ، وفاز الساعي بهذه النّيّة بالصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة) ومن ثمّ قال تعالى عن هذا الطالب للدنيا : (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) أي : هو محروم بالكلية من نعيمها بل هو معذّب فيها.
كلمة في السياق :
بيّنت الفقرة الأولى من المجموعة الثانية أن الحق والعدل كائنان في الكتاب الذي أنزله الله ، وبيّن ما مرّ من الفقرة الثانية أنّه ـ عزوجل ـ هو اللطيف بعباده ، الرزاق القوي العزيز ، ومن ثم فعلى الإنسان أن يعمل للآخرة ، وألا يعمل للدنيا معترضا عن الآخرة ، ظنا منه أنه بذلك يحصّل رزقا ، أو اعتقادا منه أن العمل للآخرة يمنع عنه رزقا. كيف والله لطيف ، والله هو الرزاق ، والله قوي عزيز. وإذ بيّن الله ـ عزوجل ـ ميزة كتابه الذي فيه شرعه ، وبيّن ضرورة العمل به ، وخطأ الانحراف عنه ، فإنه فيما يأتي من الفقرة الثانية يناقش زعمين وقضيتين ، قضية السير في شرع غير شرعه ، وقضية اتهام رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالكذب عليه ، وكل من القضيتين يبدأ مناقشتها بكلمة (أَمْ).