الدنيا. قال ابن كثير : أي ولئن كان ثمّ معاد فليحسننّ إليّ ربي كما أحسن إليّ في هذه الدار يتمنّى على الله عزوجل مع إساءته العمل وعدم اليقين ، قال تبارك وتعالى : (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) أي : فلنخبرنّهم بحقيقة ما عملوا من الأعمال الموجبة للعذاب ، ولنذيقنّهم من عذاب شديد لا يفتّر عنهم قال ابن كثير : يتهدّد تعالى من كان هذا عمله واعتقاده بالعقاب والنّكال ثم يذكر الله عزوجل ضربا آخر من طغيان الإنسان ، وإنّه إذا أصابته النعمة أبطرته فنسي المنعم ، وأعرض عن شكره قال تعالى (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) أي : أعرض عن الطاعة واستكبر عن الانقياد لأوامر الله عزوجل وتباعد عن ذكر الله ودعائه أو ذهب بنفسه وتكبّر وتعظّم. والنّأي بالجنب يعني : البعد بالنفس ، عبّر عن النّفس بالجنب .. (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) أي : الشدّة من ضرّ أو فقر ، أو مرض أو سجن (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) أي : كثير أي : أقبل على دوام الدعاء ، وأخذ في الابتهال والتضرع ، فهو يؤوس قنوط القلب ذو دعاء عريض باللسان.
كلمة في السياق :
١ ـ بعد أن قصّ الله علينا حال المستقيمين على أمره ، والملحدين بآياته ، والكافرين بقرآنه في المجموعات الثلاث الأخيرة بيّن لنا في هذه المجموعة أنه (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فالمستقيم ينفع نفسه ، والملحد يضرّها ، والله عزوجل حكم عدل ، ثمّ عرّفنا الله عزوجل على إحاطة علمه ليدلّنا على شمول حسابه ، وكمال عدله ، ثمّ بيّن لنا أنّ الكافرين جميعا يتبّرأون يوم القيامة من شركهم.
٢ ـ حدّثنا الله عزوجل عن طبيعة الإنسان الكافر في يأسه وقنوطه في المحنة ، وادّعائه في نسبة النّعمة إلى نفسه في المنحة ، وجهله في شأن الألوهية وكبريائه وبطره في النعمة ودعائه الله في النقمة ، فهو إنسان جاهل لا يعرف أن يضع الأمور في مواضعها ، ولذلك كفر ، وصلة ذلك بالمجموعتين السابقتين المتكلّمتين عن كفر الإنسان وإلحاده واضحة.
٣ ـ جاء في خاتمة المجموعة الأولى من السورة قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا