وجل ـ خلق الأرض ، وبارك فيها وقدر فيها أقواتها. جعل جبالها شامخة شاهقة ، وأمطارها نازلة ، وأنهارها جارية ، وأشجارها نامية ، وأطيارها تعلو إلى السماء وتهوى إلى الأرض ، وحيوانها يجرى فى نواحيها ، وباطنها عامرا بالجواهر والدرر.
المطلوب الآن هو مخلوق يسود سيادة مباشرة على هذا كله. مخلوق فيه من صفات هذه الأرض ليتمكن من التفاعل مع ما فيها. وفيه من الصفات ما يؤهله لتلقى تشريعات الله عزوجل وإرساء قواعد الحق والعدل فى الأرض.
لتحقيق ذلك اتجهت إرادة الله سبحانه إلى خلق هذا النائب وهذا الخليفة. وبشر سبحانه الملائكة أجمعين بالنبأ العظيم ، وقال لهم : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠].
إقرار ذرية آدم بربوبية الله
قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) [الأعراف : ١٧٢ ، ١٧٣]
هذا مشهد عظيم أراد الله تعالى فيه أن يبين لبنى آدم وجميع ذريتهم الغاية التى
__________________
ـ لا يلحقه موت ولا يجوز عليه غيبة (مآثر الأنافة فى معالم الخلافة للقلقشندى ج ١ ص ١٥). وأما إنه يقال لرئيس الدولة خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلأنه خلفه فى أمته فى رياسته العامة فى أمور الدين والدنيا.
وهذا هو أرجح الآراء ، ويؤيد هذا ما روى أن رجلا قال لأبى بكر الصديق رضى الله عنه : يا خليفة الله ، فأنكر عليه أبو بكر ذلك ، وقال لست بخليفة الله ، ولكنى خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقال رجل لعمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ـ أحد خلفاء الدولة الأموية ـ : يا خليفة الله ، فقال له عمر ، ويلك ، لقد تناولت متناولا بعيدا ، إن أمى سمتنى عمر فلو دعوتنى بهذا الاسم قبلت ، ثم كبرت فكنيت أبا حفص ، فلو دعوتنى قبلت ، ثم وليتمونى أموركم فسميتمونى أمير المؤمنين ، فلو دعوتنى بذلك كفاك. (الأذكار للنووى ج ٧ ص ٣٨ ، ومآثر الأنافة فى معالم الخلافة للقلقشندى ج ١ ص ٥١ ، ورياسة الدولة فى الفقه الإسلامى للدكتور محمد رأفت عثمان ص ١٤ ، ٢٤).