دروسا للنذير ، من خلال أمره أن يذكر هؤلاء المذكورين ، ثم تأتي في نهاية المقطع مجموعة مبدوءة بقوله تعالى : (هذا ذِكْرٌ) مما يشير إلى أن المقطع يعطينا نماذج على كون القرآن ذكرا ، وهي الصفة التي وصف بها القرآن في أول السورة : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) فالمقطع إذن برهان عملي على أن القرآن ذكر ، وفي ذلك إقامة حجة على الكافرين ، فإذا كان القرآن الذي هو ذكر من الله ، وتذكير للإنسان ، لم ينفع فيهم ، بل شكّوا فيه وأعرضوا عنه ورفضوه ، فإنّ أمثال هؤلاء ما عاد ينفع فيهم شىء ، وليس لهم إلا العذاب.
التفسير :
(اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) من أقوال كافرة فاجرة شاكّة ناقدة. قال النّسفي : (أي) اصبر على ما يقولون فيك ، وصن نفسك أن تزلّ فيما كلّفت من مصابرتهم ، وتحمّل أذاهم (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) لتأخذ من هذا الذكر دروسا وعبرا ، ومن ذلك أنّه مع كرامته على الله زل تلك الزّلة اليسيرة ، فلقي من عتاب الله ما لقي (ذَا الْأَيْدِ) أي ذا القوة في الدين ، أو ذا القوة في العلم والعمل. وقال قتادة : أعطي داود عليه الصلاة والسلام قوة في العبادة ، وفقها في الإسلام (إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي رجّاع إلى الله عزوجل في جميع أموره وشؤونه. قال النسفي : وهو تعليل لذي الأيد (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ) أي ذلّلناها معه (يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) قال ابن كثير : أي أنه تعالى سخّر الجبال تسبّح معه عند إشراق الشمس وآخر النهار. قال النسفي : واختار (يسبحن) على مسبحات ليدلّ على حدوث التسبيح من الجبال شيئا بعد شىء ، وحالا بعد حال ... والعشي : وقت العصر إلى الليل ، والإشراق : وقت الإشراق ، وهو حين تشرق الشمس أي تضىء ، وهو وقت الضحى (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً) أي وسخّرنا الطير مجموعة من كل ناحية ، تسبّح بتسبيحه وترجّع بترجيعه (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) أي مطيع مسبّح ، لأنها كانت تسبّح لتسبيحه ، ووضع الأوّاب موضع المسبّح لأنّ الأوّاب وهو التّواب الكثير الرجوع إلى الله وطلب مرضاته من عادته أن يكثر ذكر الله ، ويديم تسبيحه وتقديسه. وقيل الضمير لله. أي كل من داود والجبال والطير لله أوّاب أي مسبّح مرجّع للتسبيح (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) أي قوّيناه. قال ابن كثير : أي جعلنا له ملكا كاملا من جميع ما يحتاج إليه الملوك. قال ابن أبي نجيح عن مجاهد : كان أشدّ أهل الدنيا سلطانا (وَآتَيْناهُ