أن الشمس والقمر والأرض ـ التي هي محل الليل والنهار ـ كل هذه الأشياء في حالة حركة.
٤ ـ في قوله تعالى : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) إشارة إلى تعاقبهما واستحالة انعدام واحد منهما في نظام هذا الكون ، فتقرير هذا المعنى هنا ، وتقرير أن الليل يطلب النهار في سورة الأعراف يؤكد ما ذهبنا إليه هناك وبرهنّا عليه ، بأن في آية الأعراف إشارة إلى موضوع دوران الأرض.
٥ ـ في قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) مظهر من مظاهر الإعجاز القرآني بل من هذا النّص ندرك كيف أن الإعجاز القرآني يسع العصور ، فالفلك هي السفن ، والسفن تصنع من خشب وحديد ، أو من حديد فقط ، ومما يشبه السفن من وسائل حديثة تسير في البر السيارات والقطارات والدبابات والطائرات وهي لم تكن موجودة في زمن نزول الوحي ، وقد أشار النص القرآني إليها بقوله (مِنْ مِثْلِهِ) أي من مثل السفن ، ومن ثمّ قال تعالى : (حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) فذرية المخاطبين الأول في القرآن هي التي اجتمع لها ركوب السفن ، وركوب المثل الكامل لها وهي وسائل النقل الحديثة في عصرنا ، ومما يؤكد أن المراد بذلك هو وسائل النقل الحديثة هو أن التصريح بالمركوبات القديمة سيأتي فيما بعد في المجموعة الثانية ، إذ يحدثنا الله عزوجل عن الأنعام فيقول : (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ.)
وعلى هذا فالآية فيها معجزة غيبية ، وفيها ما يدلّ على أنّ منزّل هذا القرآن هو الذي وسع علمه الزمان والمكان. وقد يقول قائل إن قوله عزوجل (وَخَلَقْنا) يدل على المضي نقول : إن الماضي قد يراد به المستقبل في القرآن للدلالة على تأكيد وقوعه كقوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) ثم الوسائل المعاصرة ستكون ماضية بالنسبة لما يأتي من الزمن. ثم إن النص القرآني جاء بصيغة يرى فيها أهل كل عصر آية ، فالمخاطبون الأوائل في القرآن حملوا النص على المراد به الإبل والخيل ، وأمثال ذلك إذ المثلية متحققة من وجه من الوجوه ، هو وجه الركوب ، وهذا مظهر من مظاهر استيعاب النص القرآني للزمان والمكان وهكذا نلاحظ أنّ الله عزوجل في الفقرات الثلاثة التي حدّثنا فيها عن آياته (وَآيَةٌ لَهُمُ وَآيَةٌ لَهُمُ وَآيَةٌ لَهُمْ) قد عرض لنا آياته في الكون في صيغة هي في نفسها آيات ، فتأمّل هذه الظاهرة وصلتها بقوله تعالى في محور السورة