البشير في آخر الآية بعد ما ذكرهما ؛ لأن النذارة مشفوعة بالبشارة ، فدل ذكر النذارة على ذكر البشارة). وقال ابن كثير : (أي وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله تعالى إليهم النذر ، وأزاح عنهم العلل كما قال تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) [الرعد : ٧] وكما قال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) [النحل : ٣٦]. والآيات في هذا كثيرة).
أقول : وهذه الآية أصل في الدلالة على أن كل الأمم قد أرسل لها رسل ، لا كما يظن بعض الناس أن الرسل محصورون في منطقتنا أو فيما هو قريب منها ، إلا أنّنا لا نصف أحدا بالرسالة إلا من ثبتت بالنص رسالتهم.
٤ ـ بمناسبة قوله تعالى : (ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) قال ابن كثير : (روى البزار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : أيصبغ ربك؟ قال صلىاللهعليهوسلم : «نعم صبغا لا ينقض أحمر وأصفر وأبيض» وروي مرسلا وموقوفا والله أعلم).
٥ ـ بمناسبة قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) قال ابن كثير : (أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به ، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم ، الموصوف بصفات الكمال ، المنعوت بالأسماء الحسنى ، كلما كانت المعرفة به أتم ، والعلم به أكمل ، كانت الخشية له أعظم وأكثر.
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) قال : الذين يعلمون أن الله على كل شىء قدير. وقال ابن لهيعة عن ابن أبي عمرة عن عكرمة عن ابن عباس قال : العالم بالرحمن من عباده من لم يشرك به شيئا ، وأحل حلاله ، وحرم حرامه ، وحفظ وصيته ، وأيقن أنه ملاقيه ، ومحاسب بعمله ، وقال سعيد بن جبير : الخشية هي التي تحول بينك وبين معصية الله عزوجل ، وقال الحسن البصري : العالم من خشي الرحمن بالغيب ، ورغب فيما رغّب الله فيه ، وزهد فيما سخط الله فيه ، ثم تلا الحسن (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ليس العلم عن كثرة الحديث ولكن العلم عن كثرة الخشية ، وقال أحمد بن صالح المصري عن ابن وهب عن مالك قال : إن العلم ليس بكثرة الرواية ، وإنما العلم نور يجعله الله في القلب. قال أحمد بن