فالمجموعة إذن ترفع هممنا لنكون أوّابين من أجل أن نرى آيات الله ، لنؤمن بالله واليوم الآخر حقّ الإيمان ، وهذا مظهر آخر من مظاهر ارتباط المجموعة بما قبلها.
٥ ـ وإذا اتضح كل ما مرّ ، وعرفنا صلة المجموعة بما قبلها ، يبقى أن نتذكر صلة هذه المجموعة بمحور السورة من سورة البقرة :
إن الصلة واضحة ، فالمحور ينكر على من يكفر بالله فلا يشكره ، والمجموعة تقدّم النموذج على الشكر ، وعدم الكفران ، لاحظ : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) إلى قوله تعالى (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ.)
فمحور السورة ذكّرنا بنعم الله العامة ، وقصة داود وسليمان عليهماالسلام تذكرنا بنعم الله الخاصة ، وهذا كله يقتضي شكرا ، فإذا كان المحور ينكر على الكافرين ، فالمجموعة تقدّم لنا نموذجا للشاكرين ، ونموذجا لعطاء الله لهم.
٦ ـ وإذا كانت قصة داود وسليمان عليهماالسلام نموذجا على الشكر ، ففي المجموعة اللاحقة تأتي قصة سبأ كنموذج على الكفر بالله ، الذي هو سبب الكفر بالآخرة ، وهو موضوع سنراه ، فلنر الآن بعض الفوائد.
فائدتان :
١ ـ بمناسبة قوله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال ابن كثير : (وفي الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري يقرأ من الليل ، فوقف فاستمع لقراءته ، ثم قال صلىاللهعليهوسلم : «لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود» ، وقال أبو عثمان النهدي ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا وتر أحسن من صوت أبي موسى الأشعري رضي الله عنه).
٢ ـ بمناسبة قوله تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) قال ابن كثير : (فيه دلالة على أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول والنية كما قال الشاعر :
أفادتكم النّعماء مني ثلاثة |
|
يدي ولساني والضمير المحجبا |