من قوّتهم أن صنعوا لسليمان هذه الأشياء الضخمة التي تحدّثت عنها الآيات.
٢ ـ ختمت الآية السابقة على قصة داود وسليمان عليهماالسلام بقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) فالعبودية لله والإنابة له صفتان بهما تعرف آيات الله في الكون ، وإذ يقصّ الله علينا قصة داود عليهالسلام التي فيها (وَاعْمَلُوا صالِحاً) وقصة سليمان عليهالسلام التي فيها (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً ...) فإن ذلك يشير إلى أن المقام الأعلى للإنسان هو العمل الصالح ، وهو الشكر ، وأن ما يعطيه الله للإنسان ينبغي أن يقابل بالعمل الصالح وبالشكر. فالمجموعة تعلّمنا أنّ أدب أكرم الخلق مع الله العبودية ؛ فلا يستنكفنّ أحد منها ؛ فإنها باب الآيات الدالة على الله وعلى اليوم الآخر.
٣ ـ يلاحظ أن المقطع الأول ختم بقوله تعالى : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.)
وأن المقطع الثاني بدأ بذكر سخرية الكافرين برسول الله صلىاللهعليهوسلم لأنه يدعو إلى اليوم الآخر (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) وتأتي هذه المجموعة بعد ذلك لترينا نماذج من عطاء الله عزوجل لرسله عليهم الصلاة والسلام ، وهو عطاء عجيب عظيم معجز ، من تأويب للجبال والطير ، وإلانة للحديد ، وتسخير للريح والجن ، فإذا ما أكرم الله عزوجل محمدا صلىاللهعليهوسلم بهذا القرآن المعجز ، فليس ذلك ببدع من الأمر ، فعطاء الله عزوجل ليس له حدود ، فكيف يسخرون من محمد عليه الصلاة والسلام.
مما مرّ ندرك صلة المجموعة بما قبلها سواء في ذلك المجموعة السابقة عليها ، أو المقطع الأول ، أو المقدمة.
٤ ـ لاحظ مجىء كلمة الإنابة في آخر المجموعة الأولى ، وأوّل هذه المجموعة : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) ثم جاء بعدها مباشرة (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) فكلمة : أوّبي معه تفيد أن داود عليهالسلام كان يؤوب إلى الله ، وعلى هذا فبعد أن قال الله عزوجل (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) أعطانا نموذجا على العبد المنيب في داود وابنه سليمان عليهماالسلام ، وأعطانا نماذج على ما يكرم الله عزوجل به عباده الأوّابين إذا أنابوا إليه ، من عطاء ليس له حدود ،