أقول : وهذا الأخير هو مذهب الحنفية ، ومعنى الآية : أنّه لا إثم عليهن في ألا يحتجبن من هؤلاء. قال النسفي : (ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين. وقال : وعبيدهن عند الجمهور كالأجانب). ثم قال تعالى : (وَاتَّقِينَ اللهَ) فيما أمرتن به من الاحتجاب والاستتار واحتطن فيه (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) أي عالما. قال ابن عطاء : الشهيد : الذي يعلم خطرات القلوب ، كما يعلم حركات الجوارح. وقال ابن كثير في الآية : (أي واخشينه في الخلوة والعلانية ، فإنه شهيد على كل شىء ، لا تخفى عليه خافية ؛ فراقبن الرقيب) (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) قال البخاري : قال أبو العالية : صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة ، وصلاة الملائكة الدعاء. وقال ابن عباس : يصلون يبرّكون. وقال الترمذي : وروي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا : صلاة الرب الرحمة ، وصلاة الملائكة الاستغفار ، قال ابن كثير : (والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملإ الأعلى ، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقرّبين ، وأن الملائكة تصلي عليه ، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ؛ ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا).
أقول : ومجىء هذه الآية في هذا السياق إشارة إلى وجوب التقيد بالآداب والأحكام السابقة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإذا كان الله وملائكته يصلون على الرسول صلىاللهعليهوسلم فإن على المؤمنين أن يفعلوا ذلك (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أي اجمعوا بين الصلاة عليه والتسليم : اللهم صلى على سيدنا محمد وآله وسلم ، وقال النسفي : (أو انقادوا لأمره وحكمه انقيادا) (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي الذين يؤذون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذكر اسم الله للتشريف ، أو عبّر بإيذاء الله ورسوله عن فعل ما لا يرضى به ورسوله ، كالكفر وإنكار النبوة (لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي طردهم من رحمته في الدارين (وَأَعَدَّ لَهُمْ) في الآخرة (عَذاباً مُهِيناً) أي مذلا (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أي ينسبون إليهم ما هم براء منه ، لم يعملوه ، ولم يفعلوه ، وأطلق التحريم في إيذاء الله ورسوله ، وقيده هنا بغير ما اكتسبوا ، لأن إيذاء الله ورسوله لا يكون حقا أبدا ، وأما إيذاء المؤمنين والمؤمنات فمنه حق كالحدّ والتعزير ، ومنه باطل (فَقَدِ احْتَمَلُوا) أي تحمّلوا (بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) أي ظاهرا.