تفسير خاتمة المقطع الثالث والسورة
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) بالخوف منه ؛ وذلك باتّباع كتابه ، وإقام الصلاة ، وايتاء الزكاة (وَاخْشَوْا يَوْماً) هو يوم القيامة (لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) أي لا يجزي فيه ، أي لا يقضي عنه شيئا (وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) أي وكذلك الولد لو أراد فداء والده بنفسه لم يقبل منه (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي إن وعد الله بالبعث والحساب والجزاء حقّ (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أي لا تلهينّكم بالطمأنينة فيها عن الدار الآخرة فلا تلهينّكم بزينتها ولذاتها ؛ فإنّ نعمتها دانية ولذاتها فانية (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) أي الشيطان ثم ذكر تعالى أنّه وحده هو الذي يعلم مفاتح الغيب ليدلّل بذلك على أنّ وعده حق ، وأن ما يغر عن وعده كاذب (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي وقت قيامها (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) في إبّانه من غير تقديم ولا تأخير ، وفي الفوائد كلام عن هذه الآية (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) علما كاملا أذكر أم أنثى ، تامّ أم ناقص ، وغير ذلك (وَما تَدْرِي نَفْسٌ) برة أو فاجرة (ما ذا تَكْسِبُ غَداً) من خير أو شر ، وربما كانت عازمة على خير فعملت شرا ، وعازمة على شر فعملت خيرا (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) أي أين تموت فربّما أقامت بأرض وضربت أوتادها وقالت لا أبرحها فترمي بها مرامي القدر حتى تموت في مكان لم يخطر ببالها (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بالغيوب (خَبِيرٌ) بما كان ويكون.
وهكذا انتهى المقطع الثالث ، وانتهت بنهايته السورة وقد رأينا أنّ السورة تألفت من ثلاثة مقاطع ، كل مقطع أدّى دوره في خدمة سياق السورة ضمن محورها.
قال صاحب الظلال :
(وهكذا تنتهى السورة ، كما لو كانت رحلة هائلة بعيدة الآماد والآفاق والأغوار والأبعاد. ويؤوب القلب من هذه الرحلة المديدة البعيدة ، الشاملة الشاسعة ، وئيد الخطى لكثرة ما طوّف ، ولجسامة ما يحمل ، ولطول ما تدبّر وما تفكّر ، في تلك العوالم والمشاهد والحيوات!
وهي بعد سورة لا تتجاوز الأربع والثلاثين آية. فتبارك الله خالق القلوب ، ومنزل هذا القرآن شفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة للمؤمنين ..).