من صنيعهم وعبادتهم وأشخاصهم (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا) أي بصبرهم على أذاكم لهم ، واستهزائكم بهم (أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) أي جعلتهم هم الفائزين بالسعادة والسلامة والجنة والنجاة من النار (قالَ) الله أو المأمور بسؤالهم من الملائكة (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ) أي كم كانت إقامتكم في الدنيا (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) استقصروا مدة لبثهم في الدنيا بالإضافة إلى خلودهم في النار ، لما هم فيه من عذابها ، لأن الممتحن يستطيل أيام محنته ، ويستقصر ما مر عليه من أيام الدعة (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) أي المؤرخين ، أو الملائكة الذين يعدون أعمار العباد وأعمالهم (قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) أي ما لبثتم إلا قليلا (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) صدقهم الله تعالى في تقالهم لسني لبثهم في الدنيا ، ووبخهم على غفلتهم التي كانوا عليها (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) أي عابثين أي أظننتم أنكم مخلوقون عبثا بلا قصد ولا إرادة ولا حكمة (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) أي لا تعودون في الدار الآخرة أي بل خلقناكم للتكليف ، ثم للرجوع من دار التكليف إلى دار الجزاء فنثيب المحسن ونعاقب المسئ (فَتَعالَى اللهُ) أي عن أن يخلق عبثا (الْمَلِكُ الْحَقُ) ومن كان الملك الحق فإنه لا يتصرف تصرفا عابثا (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) وصف العرش بالكرم لأن الرحمة تتنزل منه ، أو لنسبته لأكرم الأكرمين (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) أي لا حجة له به ، وليس إلا الله تقوم الحجة على ألوهيته (فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ.) أي جزاؤه عند ربه ، أي فهو يجازيه لا محالة (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) أي لديه يوم القيامة إنه لا فلاح لهم ولا نجاة ، قال النسفي : (جعل فاتحة السورة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) وخاتمتها (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) فشتان بين الفاتحة والخاتمة ، ثم علمنا سؤال المغفرة والرحمة بقوله (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ) ثم قال (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) لأن رحمته إذا أدركت أحدا أغنته عن رحمة غيره ، ورحمة غيره لا تغنيه عن رحمته).
كلمة في السياق :
أنذرت هذه المجموعة باليوم الآخر ، مبينة عاقبة المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، وعاقبة الكافرين الذين يعملون السيئات ، ثم أقامت الحجة على الكافرين يوم القيامة ، وختمت ببيان عاقبة المشركين ، وأمرت بطلب المغفرة من الله ، ولذلك صلاته بسياق السورة الخاص وبمحورها.