الذين قد يبلغ عددهم ـ خصوصا في الأعياد والأسواق التي تقام بعد مجموعة من السنين ـ إلى ملايين من النفوس ، رغم حرص الحكومة على إقامة النظام وقوانين الصحة ، والوقاية من الأمراض ، وتقترن بتقاليد جاهلية ، وأعمال شركية ، وأساطير الآلهة والإلهات القديمة ، ومن إعجاز القرآن ، أنه لما ذكر حج البيت الذي بناه إبراهيم وحث عليه ، نعى على الشرك والوثنية والزور الذي تلوثت به المناسك ، وأعمال الحج والزيارة في الديانات والأمم الأخرى ، فقال : (ذلِكَ ، وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ* وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ، وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ، حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) (الحج : ٣٠ ، ٣١).
هذه صورة مجملة لأساليب الحج والزيارة ، والرحلة الدينية في ديانات العالم الرئيسية ، التي لا يزال لها أتباع ومؤمنون يعدون بالملايين ، وملايين الملايين ، وقد كان شيخ الإسلام أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي رحمة الله عليه ، عميق النظر ، واسع الإطلاع ، غير مجانب للصواب والإنصاف ، إذ قال في كتابه (حجة الله البالغة) وهو يتكلم في موضوع الحج :
(وأصل الحج موجود في كل أمة ، لا بد لهم من موضع يتبركون به ، لما رأوا من ظهور آيات الله فيه ، ومن قرابين وهيآت مأثورة عن أسلافهم يلتزمونها ، لأنها تذكر المقربين وما كانوا فيه.
وأحق ما يحج إليه بيت الله ، وفيه آيات بينات ، بناه إبراهيم صلوات الله عليه ، المشهود له بالخير على ألسنة أكثر الأمم ، بأمر الله ووحيه بعد أن كانت الأرض قفرا وعرا ، إذ ليس غيره محجوج إلا وفيه إشراك أو اختراع ما لا أصل له).
ويستطيع القارىء في سهولة أن يقارن بينها وبين الحج الإسلامي ، ويعرف مفارقات بينها وبين هذا الركن الرابع ، ويقرأ قوله تعالى ، ويحدث بنعمة ربه : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ ، فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) (الحج : ٦٧) اه كلام الندوي.
أقول : إن وجود الحج عند كل الأمم ، كبقية باقية من هدي الأنبياء السابقين ، يظهر لنا أن في قوله تعالى : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) معجزة من معجزات هذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.