وزيارتها ، وعنوا بذلك أكثر مما عنوا بتتبع تعاليمه ووصاياه.
وقد شاعت زيارة مشاهد روما من القرن الثالث عشر على حساب زيارة الأرض المقدسة ، وإن لم تنقطع زيارة الأرض المقدسة بتاتا ، وكانت (روما) المدينة التي تلي بيت المقدس في الأهمية ، يؤمها الناس للزيارة في عدد كبير وجم غفير.
إن الأسباب التي بلغت بها البابوية قمتها ، جعلت روما مركزا للزيارة ، ولا سيما ، وأن ضريحي القديس بطرس ، والقديس بولس قد أضفيا عليها من العظمة والجلال ما جعلها مثابة للمسيحيين الكاثوليك في العالم كله ، وازدحموا فيها ازدحاما كبيرا ، وقد كان إقبال الزوار عظيما على سراديب الأموات (Cata combs) (١) التي تقدس لأجل عظام الشهداء ، إن الزوار لم يتوقفوا عن زيارة (روما) في أي فترة من فترات التاريخ ، وقد جعلتها كثرة الكنائس والآثار التاريخية المقدسة محط أنظار الناس في كل زمان.
والقارىء يتخم بكثرة أسماء القبور والضرائح والمشاهد العامة في أرض فلسطين ، والمحلية المنتشرة في كل قطر أو ولاية ، أو بلد يقطنه اليهود والمسيحيون من زمن بعيد ، وصاحب مقال (الحج والزيارة) في (دائرة المعارف اليهودية) وفي (دائرة الديانات والأخلاق) يسرد أسماء ضرائح ومشاهد للصالحين والمقبولين في أقطار أوروبية وآسيوية مختلفة ، ويذكر الأيام والشهور التي تزار فيها ، وما لهذه الزيارات من آداب وتقاليد ، وإذا تأمل القارىء في مدى اهتمام اليهود والمسيحيين بهذه المشاهد ، وتقديسهم لها ، وتجشم الأسفار والمتاعب في سبيلها ، وكيف شغلتهم واستحوذت على مشاعرهم في كل زمان ومكان ، وكيف أثارت فيهم الغلو في التقديس والتعظيم ، حتى وصلوا إلى حد الشرك ، وعبادة غير الله ، عرف سر شدة إنكاره صلىاللهعليهوآلهوسلم على هذه العادة ، وإشفاقه من أن يتسرب ذلك إلى المسلمين ـ حملة لواء التوحيد إلى الأبد ، والأمة الأخيرة ـ وحرصه الشديد على أن يبقى ضريحه ومثواه الأخير بعيدا عن كل شرك وعبادة وغلو ، وكان ذلك هو الشغل الشاغل له في مرضه الأخير ، فقد روى البخاري عن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، قالا : «لما نزل برسول الله صلىاللهعليهوسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه ، فقال ـ وهو كذلك ـ لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر
__________________
(١) تقع أشهر هذه السراديب في الفاتيكان.