عزوجل فإنه يفاجأ ، أو لا يحسن التصرف ، أو لا يعرف كيف يتخذ موقفا ، وإذا اتخذ موقفا فقد لا يعرف عاقبته ، إنه بعد معرفة السنة الأولى لم يعد النذير يفاجأ إذا رأى خللا في تصرفات بعض الأتباع ، وبعد معرفة السنة الثانية أصبح النذير أكثر إقداما على العقوبة العادلة ، والكلام عن العقوبة في السورة التي تأذن في القتال مفهوم الصلة.
إن سورة الحج تفصل في قضية العبادة والتقوى لأنها تفصل محورها من سورة البقرة وهو : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وإذا كانت السورة تفصل هذا المقام فإن هذا المقطع يختص بتوجيه الداعية إلى عبادة الله وتقواه وهو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن ثم نلاحظ أن المقطع بدأ بكلمة (قُلْ) وسيأتي معنا فيه (أَلَمْ تَرَ ...... أَلَمْ تَرَ أَلَمْ تَعْلَمْ) والخطاب ـ وإن كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بشكل مباشر ـ فهو خطاب لوراثه خاصة وخطاب لأمته عامة ، ولنمض في التفسير ملاحظين أن المقطع بدأ بقوله تعالى : (قُلْ) والآن يأتي قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ).
تفسير المجموعة الرابعة من المقطع الثالث
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ) أي من السحاب (السَّماءِ) أي مطرا (فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) بالنبات بعد ما كانت مسودة يابسة (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) أي واصل فضله إلى كل شىء (خَبِيرٌ) أي بمصالح الخلق ومنافعهم وذكر الله اللطيف في هذا السياق يفيد أنه المختص بدقيق التدبير ، وذكر اسم الخبير في هذا السياق يفيد أنه المحيط بكل قليل وكثير (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي جميع الأشياء ملكه ، وهو غني عما سواه ، وكل شيء فقير إليه ، عبد لديه ، ومن ثم قال (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُ) أي المستغني عن كل شيء ، وغيره فقير إليه (الْحَمِيدُ) أي المحمود (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) من معادن وتراب وهواء وعناصر ومركبات وأحياء وجمادات ونباتات (وَالْفُلْكَ) أي السفن (تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) أي وسخر لكم الفلك تجري في البحر بتسخيره وتيسيره (وَيُمْسِكُ السَّماءَ) أي كل ما دون الأرض مما هو فوقها (أَنْ تَقَعَ) أي من أن تقع (عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي بأمره ومشيئته ، كما يأذن مثلا لبعض النيازك أن تصل إلى قشرة الأرض (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ) بتسخير ما في الأرض (رَحِيمٌ) بإمساك السماء لئلا تقع على الأرض. قال النسفي : عدد آلاءه مقرونه بأسمائه ؛ ليشكروه على آلائه ، ويذكروه بأسمائه