وبعد أن ذكر الله عزوجل سنة من سننه فيما مضى يذكر ههنا سنة أخرى من سننه فيقول : (ذلِكَ) أي الأمر ذلك (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) أي رد على الإساءة بمثلها (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ) أي ثم ظلم بعد ذلك (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) أي من جازى بمثل ما فعل به من الظلم ، ثم ظلم بعد ذلك ، فحق على الله أن ينصره (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ) يمحو آثار الذنوب (غَفُورٌ) لمن اجتهد فأخطأ ، أو أذنب فتاب.
كلمة في السياق :
ما محل ذكر هذه السنة في السياق؟ وردت هذه السنة بعد ذكر الهجرة والقتال ؛ مما يشير إلى أن حق المهاجرين في الانتقام قائم ، وأنهم إذا انتقموا ثم اعتدي عليهم فإن الله ناصرهم ، وذكر هذه الآية في هذا السياق يشير إلى أنه لا يتنافى مع التقوى أن يعاقب الإنسان بمثل ما عوقب به ، كما لا يتنافى مع التقوى أن يرد إذا اعتدي عليه مرة ثانية ، وختم الآية بذكر العفو والمغفرة إشارة إلى التجاوز عن المعاقب ، إذا صحت نيته بالعدل ولو زاد ، أو إشارة إلى قدرته على العقوبة ، إذ لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده ، والآن تأتي آيتان لتعليل سنة الله هذه ، مما يشير إلى أهمية هذه السنة.
(ذلِكَ) أي ذلك النصر للمظلوم بسبب أنه قادر على ما يشاء ومن آيات قدرته (بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أي يزيد هذا في ذلك ، ومن ذلك في هذا (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) بأقوال عباده (بَصِيرٌ) بهم لا يخفى عليه منهم خافية ، في أحوالهم وحركاتهم وسكناتهم ، فلأن الله يولج الليل في النهار ، ويولج النهار بالليل ، ولأنه سميع بصير ، فإنه ينصر من بغي عليه ، إذا إنه إذا لم يفعل ذلك هو فمن يفعله؟؟ (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) ومن ثم فإنه ينصر الحق (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) من الأصنام والأنداد والأوثان وكل ما عبد من دونه (هُوَ الْباطِلُ) ومن ثم فإنه ينصر أولياءه ، لأنهم يدعونه (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُ) فلا أعلى منه شأنا (الْكَبِيرُ) فلا أكبر منه سلطانا ، ولعلوه وعظمته فإنه ينصر المظلومين ، فمن أجدر منه بذلك؟ وهكذا عرض الله علينا سنتين في المجموعتين الأخيرتين ، عرض علينا في المجموعة الأخيرة سنة من سننه في النصر ، وعرض في المجموعة قبلها سنة من سننه في الهداية والإضلال ، وفي ذكر هاتين السنتين بعد الأمر بالإنذار الذي ورد في المجموعة الأولى تعليم للنذير ؛ ليعرف ما يمكن أن يلاقيه في السير ، فما لم يعرف الداعية سنة الله