وحدَّثنا شيخنا العلّامة ابن سينا أنّه فرغ من قراءة العُلوم حين بلغ ثمانى عشرة سنةً من عمره ، وقال : وكنتُ اذْ ذاك للعلم أحْفَظ ، ولكنّه اليوم معى أنْضَج ، والّا العلم واحد لمْ يتجدَّد لى بعده شَىء (٥٨).
فالعَقْل ينمو بالتَّجْرِبَة والمِران ، بعد اكتماله عند البلوغ. ولهذا قيل : العَقْل عَقْلان : غَريزىّ وكَسْبِىّ. فالعقل الغَريزىّ ما به التَّكليف ، والكَسْبِىّ ما به حُسْنُ التَّصرُّف.
وهو اسم مُشترَك لِمعان عدّة.
أمّا عند المتكلِّمين فقد أُطْلِق على ثلاثةٍ :
ـ أحدها صِحّة الفِطْرَة للانسان. وحَدُّه بأنّه قوّة يَجُودُ بها التَّميز بين الأمور الحسَنة والقبيحة.
ـ ثانيها ما يكسبه الانسان بالتَّجارب من أحكام الله ، وحدودُه بأنّه معانٍ مجتمعة فى الذّهن تُستنبَط بها الأغراضُ والمصالح.
ـ ثالثها : بأنّه هيئة مُجَوِّدَة للانسان فى حركاته وسكناته ، وكلامه واختياره.
وأمّا عند الحكماء ، فمشترَك أيضا ، بين ثلاثة معانٍ :
ـ الأوّل : العَقْل النّظرىّ : قوّة للنَّفْس النّاطقة تَقْبَل ماهِيّات الأمور الكلّيّة مِنْ جِهَة ما هى كلّيّة ، وله أربع مراتب : أحدها العَقْل الهَيُوْلانىّ : وهو قوّة للنَّفْس المستعدّة لقبول ماهيّات الأشياء ، مُجَرَّدة عن الموادّ. ثانيها : العَقْل بالملَكة ، وهو أنْ تَحصل له المعقولات البديهيّة وينتقل من البديهيّات الى النّظريّات. ثالثها : العَقْل المستعاد وهو أنْ يحصل المعقولات ، لكنْ لا يطالعها ، بل صارتْ مخزونة فيه. رابعها : العَقْل بالفِعْل ، وهو أنْ يُطالع المعقولات المكتسَبة.
ـ الثانى : العَقْل العملىّ ، وهو قوّة للنَّفْس وهى مبدأ القوّة الشَّوقيّة الى ما يختار