لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً
____________________________________
وقول الآخر : ـ
أرادت لكيما لا ترى لي عثرة |
|
ومن ذا الذي يعطي الكمال فيكمل |
وقوله تعالى في سورة الزمر ١١ (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) فالصحيح هو ان اللام للتعليل ومفعول «يريد» في الموارد التي ذكرناها من القرآن الكريم محذوف. يقدر في كل مقام بحسب ما يناسبه ويقتضيه وقد ذكرنا في الجزء الأول ص ٨١ و ٨٢ ان مثل هذا الحذف باب من أبواب البلاغة. ومما يناسب الآية ان يكون التقدير فيها. يريد الله ان يفصل لكم شرايع النكاح او الشرايع المذكورة في السورة او ما قبلها لكي يبين (لَكُمْ) ما هو الصالح في نظامكم وأخلاقكم وسعادتكم (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) التي شرعها الله وسنها لهم لصلاحهم فاتخذوها بإيمانهم وطاعتهم لله سننا متبعة مما اقتضت المصلحة ان يسن لكم ايضا في شريعة الإسلام (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) مما سلف من عملكم بعادات الجاهلية الفاسدة وتشريعاتها الوحشية الخسيسة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) بسبب وسيلتكم إلى رحمته من طاعتكم واتباعه لما بيّنه لكم من شريعته فإن ذلك توبة منكم عما سلف (١) (وَاللهُ عَلِيمٌ) بما يصلحكم ويصلح نظامكم (حَكِيمٌ) في شريعته وبيانها ٢٧ (وَاللهُ) بلطفه ورحمته (يُرِيدُ) ويحب (أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) بأن تصلحوا اعمالكم وتتبعوا شريعة الحق وصلاحها ويكون ذلك توبة منكم عما سلف فتكونوا أهلا لأن يتوب الله عليكم. والارادة هنا نظيرة للارادة التكليفية لا التكوينية (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) المردية المورطة في قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق وموبقات المعاصي كما تعرفونه (أَنْ) تسترسلوا مثلهم في اتباع الشهوات وخسة الغواية وتكونوا مثلهم في جماحهم رغبة منهم في الغي وتكثير أمثالهم وتقليل النكير عليهم وعنادا للحق و (تَمِيلُوا) عن الرشد إلى مثل غيهم وضلالهم (مَيْلاً عَظِيماً) كميلهم. ولا تحسبوا أن شريعة الحق والإصلاح ذات عبء ثقيل وقيود باهظة. بل جمعت
__________________
(١) وللرازي في أواخر كلامه في الآية اشكال وجواب خلط فيهما بين المعنى في توبة العبد إلى الله وفي توبة الله عليه. واستقصاء الكلام في النقد لكلمات الاشكال والجواب يفضي إلى تطويل فلندع كلامه لما به ويكفينا استلفات الناقدين لما فيه