وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٩) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ
____________________________________
تؤهله بكثرتها وكبير شأنها وعظيم اثرها في الصلاح أن يغفر الله برحمته وحكمته له بعض سيئاته وان لم يبادرها بالتوبة (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) في إلهيته وشؤونها (فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) الافتراء اختلاق الكذب اي الكذب المختلق اي كذب اختلاقا ولأن الافتراء إثم وذنب جرى ذكر المصدر الذي هو الافتراء بصفته اللازمة وهو الإثم وذلك لزيادة البيان لقبحه ووباله و «عظيما» صفة للمصدر وهو الافتراء والإثم. وذلك لأن كل من أشرنا اليه من اقسام المشركين يعترفون بالإلهية وانه هو الإله الواجب الوجود وان كل ما يجعلونه من الشركاء هم مخلوقون لله ويشاهدون فيهم لوازم الحدوث ونقص الإمكان واحتياجه ومع ذلك يختلقون له صفة الإلهية بسفسطات مستحيلة ومقدمات فاسدة وتأويلات لا تروج الا في سوق الأهواء والأغراض الفاسدة وقد أشرنا الى شيء من ذلك في الجزء الأول ص ٣٥٦ وفي الصدر نفثات ٤٩ (أَلَمْ تَرَ) يا رسول الله اي ألم يصل الى علمك ولذا عديت بكلمة «الى» كما تقدم وهذه كلمة تقال كثيرا في مقام الإنكار على الغير والتنبيه على رداءة فعله (إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) اي يزعمون ان أنفسهم زكية بارة اي يزكونها بالزعم والدعوى. في مختصر التبيان هم اليهود والنصارى في قولهم نحن أبناء الله واحباؤه ونسب غير ذلك الى القيل. وفي مجمع البيان قيل نزلت في اليهود والنصارى حيث قالوا نحن أبناء الله واحباؤه وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى وهو المروي عن أبي جعفر يعني الباقر (ع) أقول ولم أجد للرواية أثرا وعليها فالتفسير بذلك لعله من باب الانطباق وبعض المصاديق. وفي الدر المنثور ذكر من اخرج عن ابن عباس ما لا ينطبق على تزكية النفس (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) وفي هذا الإضراب اشارة واضحة الدلالة والبيان باكتفاء بارع وأسلوب جميل وحاصل ذلك انهم كيف يزكون أنفسهم ويدعون ذلك لهم ولقومهم مع ان ما يعلم ويشاهد ويعرفونه فيما بينهم من ظواهر الأحوال والأخلاق والأهواء والأعمال تعارضهم في ذلك وكيف لهم بإثبات دعواهم في أمورهم الخفية واعتقاداتهم السرية والزكي النفس إنما هو من زكت اعماله وأخلاقه واعتقاداته في السر والعلانية فأين أنتم من التزكية وادعائها لو أردتم