ثم قال تعالى : (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) ، الآية / ٦.
أي بعد السماع ، لأنه لا فائدة في مقامه عندنا. والأمان الذي تعارفه الفقهاء ، أن يؤمن كافرا لا يبغي به سماع كلام الله عز وجل ، حتى إذا استمع أبلغه مأمنه ، بل يبغى به أمانه حتى يتجر ويتسوق ويقيم عندنا مدة لغرض لهذا المسلم ، وذلك ليس ما نحن فيه بسبيل (١).
قوله تعالى : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) ، الآية (٢).
يدل على أن من نفى أن يكون له عهد ، إنما نفاه من حيث لم يستتم ، بل غدر سرا أو جهرا ، أو خيف منه الغدر ، وذكر الشرك ذكر الباعث على الغدر ثم قال :
(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(٣).
فإنه لم يظهر منهم غدر.
(فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ)(٤).
وهذا يدل على أن من نقض عهده فإنما نقضه لمكان الغدر وتوقع الجناية ، وإلا فلو استوى المستثنى والمستثنى منه في الاستقامة والوفاء لاستويا في وجوب الوفاء ، ويدل عليه
قوله تعالى فيما بعد :
(كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً)(٥).
__________________
(١) أنظر التفسير الكبير للرازي.
(٢) و (٣) و (٤) سورة التوبة آية ٧.
(٥) سورة التوبة آية ٨.